تنشر “سفير الشمال” على حلقات كل يوم ثلاثاء دراسة حول طرح “الحياد” أعدها الباحث صبحي عبدالوهاب، وفيما يلي الحلقة السابعة عشر..
إعتبر عضو المجلس الدستوري سابقا الدكتور أنطوان مسرة في مقابلة له على صفحات مجلة الأمن العام في عددها رقم 83 الصادر في آب 2020 وضمن ملفها حول الحياد “ان صرخة البطريرك الكاردينال بشارة الراعي في شأن الدعوة الى حياد لبنان نابعة من أعماق تاريخ لبنان، منذ 1860 بشكل خاص، ومواثيق لبنان وميثاق جامعة الدول العربية ومعاناة اللبنانيين المشتركة في الحروب من أجل الآخرين، وهي نابعة من ضرورة إستعادة الشرعية اللبنانية والعربية والدولية”.
لذلك رأى أن الدعوة الى تحييد لبنان ليست تعبيراً عن معارضة أو موالاة، بقدر ما هي صرخة من الذين يريدون بعد اليوم التعلم من التاريخ والعدول نهائيا عن آلية التكرار لمغامرين ومقامرين، ما يهدد حياة الوطن وانتماءه العربي وعلاقاته ورسالته ومستقبل الأجيال. وأن الدعوة الى تحييد لبنان ليست مطلبا جديدا، او مطلبا مناقضا للدستور اللبناني وميثاق جامعة الدول العربية والتزامات لبنان الدولية.
كما رأى أنه في ظل إنقسام اللبنانيين من حولها فإن التحييد يمكن أن يتحقق من إيمان اللبنانيين اولا بدولة لبنانية واحدة لا بدولتين، وجيش واحد لا جيشين، والتزام ما يقول به الدستور في مقدمته: لبنان عربي الهوية والانتماء.
ثم ثانيا مساندة عالمية ثابتة، فتحييد لبنان هو استعادة، بعد طول اختبار ومعاناة مشتركة، لإعلان بعبدا.
وأمام كيفية خيار الحياد أن يخدم لبنان والقضايا العربية والفلسطينية بنوع خاص يجيب مسرة “لبنان كبير في دوره ورسالته الداخلية والعربية والدولية في العيش المشترك، ولكنه صغير في لعبة الامم، ويتوجب علينا العودة الى ما عبر عنه غسان تويني في صرخته في الأمم المتحدة: “اتركوا شعبي يعيش”.. فما نريده اليوم ليس الامان فقط ووقف الحروب من اجل الاخرين، بل لقمة العيش اليومية وحماية المصارف ومال المودعين من خلال استعادة الدولة صفتها التأسيسية، وانسجاما مع مقدمة الدستور: لبنان عربي الهوية والانتماء. لا نتحدث عن الحياد الا لضمان امن لبنان واستقراره ومناعته وقوته، لسبب وجيه وهو ان خرق تحييد لبنان اضر لاسباب اقليمية وداخلية منذ 1969أشد الضرر بالقضية الفلسطينية وبالنظام السوري بالذات الذي انعكس عليه الضرر في تحوله الى ساحة صراعات متعددة الجنسيات، روسية وأميركية وإيرانية وتركية… وفي مواجهة ايديولوجيات ترفض حياد لبنان، من مثقفين بعيدين من الواقع، يتوجب التشجيع على القول ان الدعوة الى تحييد لبنان متحقق. اما شرط القوة الدفاعية فالكل يعلم حال الجيش اللبناني المحاصر والممنوع من امتلاك السلاح الكافي، وهو يفرض التمسك بالمقاومة كحل احتياطي وحيد متاح للدفاع عن لبنان وهو ما يعارضه دعاة الحياد. فعلاقة لبنان بالجوار محصورة بوجود جارين اخ شقيق هي سوريا وكيان عدو مغتصب هو اسرائيل، ولا تتساوى العلاقة بين العدو والصديق. ونختم بالشرط الثاني 2012بعدما التزم جميع الاطراف هذا الاعلان، ويندرج تحييد لبنان في المسار التاريخي الطبيعي وللدولة اللبنانية منذ الميثاق الوطني سنة1943 ، شرط ان تتمتع الدولة اللبنانية بالصفات الأساسية المسماة:إحتكار القوة المنظمة، العلاقات الديبلوماسية، وفرض الضرائب وجبايتها، وبناء السياسات العامة.
ووجد مسرة الظروف التي قادت الى الدعوة الى الحياد فأشار لقد تحول لبنان منذ 1969 من خلال اتفاقية القاهرة، وفي الحروب المتعددة الجنسية في 1975-1990وفي خروقات اتفاقية الهدنة سنة 1949 ، وفي اطار استراتيجيات خارج الميثاق العربي للدفاع المشترك، ومن خلال الجيش السوري في لبنان في السنوات 2005/ 1990 ومن خلال محور سوري – ايراني اقليمي مناقض لما ورد في مقدمة الدستور اللبناني: لبنان عربي الهوية والانتماء، تحوّل لبنان من وطن عربي الهوية والانتماء الى ساحة صراعات اقليمية، لذلك كله سيبقى ابرز نموذج تاريخي تطبيقي في تحييد لبنان هو في عهد الرئيس فؤاد شهاب ولقائه مع الرئيس عبد الناصر في خيمة على الحدود اللبنانية السورية في 25 / 3/ 1959 ، لا في لبنان ولا في سوريا، في أوج الوحدة المصرية – السورية. وما يمكن أن نستخلصه من كل هذا العرض أن إقناع اللبنانيين باهمية الحياد غير قابل للمزايدة في الوطنية بعدما اختبر اللبنانيون والعرب الكلفة المأساوية لكل المزايدات لكنه قابل للنقاش والنقد والاعتراض والتطوير، لكن من منطلق تاريخي ودستوري واختباري وانساني، وليس من منطلق عقائدي او ايديولوجي. فكل خلاف حول مضمون التحييد اللبناني هو مصطنع. المطلوب العودة الى الجذور، بدعم عربي ودولي ووطنية لبنانية مستعادة.
ويقول الدكتور صبحي المحمصاني: ان الحياد وعدم الإنحياز هما عنوان لموقف لبنان منذ فجر إستقلاله في الميدانين الدولي والعربي ويحدد اربعة اسس ترتكز عليها معالم الحياد اللبناني: التمسك بالعهود الدولية العامة والاقليمية العربية لا سيما ميثاق الامم المتحدة وميثاق جامعة الدول العربية عدم الانحياز الى اي من المعسكرين العربي والغربي وعدم الدخول في اي حلف من الاحلاف.
كما يرى الدكتور جورج حكيم وزير الخارجية اللبنانية الأسبق ان هناك ضرورتين تفرضان على السلطة اللبنانية اعتماد الحياد ضرورة دولية لان الدول الصغرى اذا دخلت جانب من دون اخر تصبح معرضة للاخطار والخلافات والتحالفات والتكتلات اكبر منا، وضرورة داخلية لان الوضع الداخلي والديمقراطي يفرضان علينا هذا الحياد.
كما يقول الدكتور جورج ديب بصدد الحياد: انه حياد عملي واقعي وهو اشبه ما يقال في السياسة نفض اليد وعدم حرق الاصابع بين الخصومات والمشاكل الدولية وان لبنان البلد الصغير كما يؤكد الرئيس شارل حلو “لا يمكنه بحكم موقعه وتركيبه ان يتحمل إرتداد الصدمات عليه للخلافات التي تقسم البلدان العربية ضد بعضها البعض او تقسم دول العالم بشكل عام كما لا يمكن لا سرا ولا جهارا المشاركة في هذه الخلافات من ان يعرض نفسه هو بالذات الى التمزق والإنحلال”.
مواضيع ذات صلة: