حياد لبنان.. خيار استراتيجي بين نقيضين (11)… صبحي عبدالوهاب

تنشر ″سفير الشمال″ على حلقات كل يوم ثلاثاء دراسة حول طرح “الحياد” أعدها الباحث صبحي عبدالوهاب، وفيما يلي الحلقة الحادية عشر..

لم يتأخر حزب الكتائب اللبنانية عن إعلان موقفه من أطروحة الحياد للبطريرك مار بشارة بطرس الراعي في المرحلة الراهنة، فقام وفد من الحزب ضم القيادات الكتائبية من مناطق الكورة، البترون، كسروان الفتوح، جبيل برئاسة الوزير السابق سليم الصايغ بزيارة البطريرك الراعي في الديمان بتاريخ 20 تموز من العام المنصرم 2020 حيث أيد موقف البطريرك الراعي شارحا ً الموقف التاريخي للكتائب في هذا الإطار، لأن الحياد هو الجسر لمشروع الحرّية في هذا البلد مع أحرار لبنان ومع ثواره وأن الحياد هو الذي يحرّر السلطة والكيان اللبناني مع شعبه من التموضع في سياسة المحاور والإنجرار في مشاكل لا علاقة له بها، كما أن الحياد يحرر الميثاق الوطني اللبناني الذي يعتبر أساس كيان لبنان. وفي العام 1959 عقد حزب الكتائب مؤتمراً وطالب باعتماد صيغة حياد لبنان، ومنذ عهد الرئيس شهاب حتى السنة الماضية لم يمر مؤتمر لحزب الكتائب الا وطالبنا فيه بالحياد الذي يعد ميثاق لبنان وركيزة وحدته”.

وسأل الصايغ: “من يقدر أن يكون ضد الحياد؟ وما البديل للحياد والميثاق؟ فاجاب قائلاً: إن  حزبنا جاء ليؤكد على ضرورة الميثاق ووحدة لبنان، ولنستمد من سيدنا البطريرك الراعي تثبيت إيماننا بهذا البلد، وأن الحياد هو فكرة دفينة تكشف عن تعلق اللبنانيين بالحرية والكيان اللبناني، وأن الميثاق اللبناني أيضاً يستند إلى عدم الإرتباط بأي محور، وقدمنا كحزب كتائب إقتراح تعديل دستوري لتأكيد المؤكد أن لا شيء يحمي لبنان غير موقف الحياد.

وأضاف الصايغ: “اليوم نسمع بعض الأطراف التي تنكل بموقف الحياد، يتحدثون عن الإستقرار والإزدهار في جنوب لبنان واليوم نسأل أين هذا الإستقرار من الجنوب الى الشمال، هذا الإستقرار المميت الذي يودي الى الإنهيار؟” إن “الميثاق هو وحدة لبنان والخروج عن الميثاق والحياد هو الخروج عن الإستقرار”.

وكان الرئيس الأسبق الشيخ أمين الجميل  قد حذّر في وقت سابق خلال مقابلة أجراها معه  موقع  NOW Lebanon الإلكتروني بتاريخ 27/4/2011  من مغبة إنخراط لبنان في أي من محاور “صراع الجبابرة” و”عدم الإنحياز” عقيدة لبنانيـة مُلحّة.. وإلا “رحنا بدعس الخيل” وعبّر حينذاك عن هواجس متفاقمة في ظل هذا “الفراغ المرعب” في لبنان و”الظرف الخطير جداً” على المستويين المحلي والإقليمي، ودعا إلى تحييد لبنان عن “صراع الجبابرة” على الساحة الشرق أوسطية عبر إعتناقه “عدم الإنحياز” كعقيدة وطنية تستوجب الإسراع في “إتخاذ إجراءات إنقاذية تُحصّن موقع لبنان وسط نزاعات الأنظمة والمحاور في المنطقة (…) على قاعدة أنّ عقيدة “عدم الإنحياز” تخدم كل الأطراف والأضاد”، أما إذا ذهبت رياح المنطقة “بما لا تشتهي سفن اللبنانيين فسيكون على كل الناس السلام، وعندها لا “حزب الله” ولا سواه سيكونون محصنين وقادرين على مواجهة هذه الرياح”. وأن المنطقة تمرّ بصورة عامة، ولبنان بصورة خاصة، في ظروف دراماتيكية يستوعب الكثير من المراقبين خطورتها، ولا يزال اللبنانيون آخر من يدرك خطورة كل هذه الأوضاع، سيما في ظل ما نشهده من تطورات إقليمية متفجرة تعصف بالمنطقة العربية وصولاً الى سوريا في الفترة الأخيرة”، واصفًا “الفراغ” الذي تشهده الساحة اللبنانية بأنه “فراغ مُرعب في الحسّ بالمسؤولية تجاه تسيير الدولة ومؤسساتها، وفي تأمين وسائل التصدي للواقع الذي يعيشه لبنان على المستويين الداخلي والإقليمي، ما يشكل مصدر قلق بالغ على لبنان الذي لم يعد جائزًا إستمرار أوضاعه على ما هي عليه راهنًا”.

ولفت الجميل إلى أنه “من غير المعلوم في أي اتجاه سترسو الأوضاع في المنطقة على أثر ما تشهده من ثورات”، ونبّه في الوقت عينه إلى أنّه “سيكون لهذه الثورات تأثير على الواقع اللبناني، نظرًا لكون لبنان ليس جزيرة منعزلة عن محيطها، إنما هو، في خضم ما نراه من تفاعلات وتطورات، ويشكل مختبرًا للكثير من الأفكار العقائدية والسياسية ولتجارب معينة لها علاقة بالأنظمة، ما يجعل الساحة اللبنانية غير محصّنة على الإطلاق أمام هذه التطورات”، داعيًا من منطلق هذه المخاوف والهواجس المسؤوليين اللبنانيين إلى “إتخاذ إجراءات إنقاذية سريعة تحصّن موقع لبنان وسط نزاعات الأنظمة والمحاور في المنطقة”. وبات ملحاً جداً إعلان لبنان عدم إنحيازه إلى هذا المحور أو ذاك لكي يبقى بمنأى عن الصراعات التي لا تعنيه والتي هي أكبر منه”.

وحذر في المقابل من أنّ “إنخراط لبنان في هذه الصراعات يعني خرابه الذي يجسد أفضل توصيف لما يمكن أن يحصل في ما لو تورط لبنان في أي من محاور “صراع الجبابرة” الذين يتنازعون على الساحة الشرق أوسطية”،

وأضاف الرئيس الجميل في هذا المجال: “سبق لنا أن طرحنا الحياد، وإذا كانت عبارة “حياد” تزعج البعض فلنعتمد على الأقل مبدأ “عدم الانحياز” بحيث تكون هذه المقاربة عقيدة وطنية تخدم كل الأطراف والأضداد بما فيها “حزب الله”.ودعا في هذا الإطار “الجميع إلى الإتعاظ مما يحصل وكيف تقلّبت القوى وإنقلبت الموازين منذ عقود عدة، فالساحة اللبنانية خير شاهد على ذلك بحيث صمدت في نهاية المطاف فكرة لبنان والكيان والوطن المنفتح على الجميع”. ويضيف ” نقول هذا الكلام لا من باب “الطوباوية ولا من باب التنظير”، بل من زاوية “الواقعية التي تدفعنا بإتجاه هذه القناعة القائلة بأنّ مصلحة لبنان تكمن في عقيدة عدم الإنحياز، وإذا كانت الظروف الراهنة لا تسمح بإقرار هذه العقيدة إلا أنها ستفرض نفسها علينا وستصبح أمراً واقعاً في لبنان”، وكلامنا هذا يستند على تجارب التاريخ اللبناني الحديث الذي يجب أن يكون الموجّه في هذا الإطار”.

وما تجدر الإشارة إليه الى أن نص مذكرة الشيخ بيار الجميل حول حياد لبنان قد سبق نشرها على صفحات كتاب “العمل” الشهري في العدد الأول من العام 1977. وقد إلتبس الأمر على الدكتور محمد المجذوب فذهب الى أن هذه المذكرة قد وضعتها لجنة البحوث في الكسليك وأن الكتائبيين تبنوا ما جاء فيها ونشروها دون الإشارة الى مصدرها بحسب ما أورد في كتابه “مصير لبنان في مشاريع” صفحة 204 وهو من منشورات دار عويدات الصادر بتاريخ 1978 ضمن سلسلة زدني علماً.

ويستخلص الدكتور نبيل خليفة في الصفحة 78 من كتابه “لبنان والخيار الرابع الحياد أو التحييد الصادر عام 2008 عن مركز بيبلوس/ جبيل للدراسات والأبحاث أن الطروحات التي قدمها حزب الكتائب اللبنانية حول الحياد اللبناني تنطلق كلها من مبدأ المحافظة على مصالح لبنان واللبنانيين من دون أن تهدف الى المساس بإلتزامات لبنان العربية والدولية ذلك أن الخلاف يبقى قائماً حول نوع هذه الإلتزامات ومداها . وطبيعي أن يكون طرح الحياد بذاته شيئاً مثيراً بالنسبة الى بعض اللبنانيين والعرب لإرتباطه بالمقف من إسرائيل و”بإنتماء” لبنان العربي.


مواضيع ذات صلة:


 

Post Author: SafirAlChamal