حياد لبنان.. خيار استراتيجي بين نقيضين (13)… صبحي عبدالوهاب

تنشر ″سفير الشمال″ على حلقات كل يوم ثلاثاء دراسة حول طرح ″الحياد″ أعدها الباحث صبحي عبدالوهاب، وفيما يلي الحلقة الثالثة عشر..

 لم يتأخر الأمين العام للخارجية اللبنانية فؤاد الترك حينذاك في الإنضمام الى أطروحة تحييد لبنان عن الصراعات وفصل وضعه عن قضية الشرق الأوسط.

كان ذلك قبل دخوله الى المستشفى بثلاثة أيام إثر إصابته بجلطة، إتصل بصحيفة “النهار” وقال إنه في إطار سياسة النأي بالنفس، والكلام المتكرر عن محاولة عدم ربط لبنان بما يجري من حوله منعاً لإنفجار الوضع الداخلي، أعد نصاً مقتضباً يعبّر عن فكرة عمل عليها وتقضي بتحييد لبنان، وانه أعاد نبش ملفاته القديمة وأخرج منها وثيقة عن تعميم ارسلته الخارجية اللبنانية الى جميع بعثاتها الدبلوماسية والقنصلية وطلب من “النهار” نشر النص متى شاءت إدارتها.

وكانت “النهار” قد إستمهلت نشره الى حين شفائه ولكن الموت عاجله سريعاً وبقيت وثيقة التعميم محفوظة على صفحات مجلة الدبلوماسية التي تصدر عن منتدى السفراء في لبنان في عددها الرابع عشر الصادر في حزيران من العام 2012 وقد أضفى الترك روح الدعابة التي تفيأت الوثيقة تحت ظلالها حيث بات واضحاً أن لبنان لن يرتاح طالما أن أوضاعه مرتبطة بقضية الشرق الأوسط، وهذه كما هو معروف، لا يبدو أن حلها ممكن قبل أجيال حتى أن الرئيس الراحل شارل حلو وصف حروب المنطقة بأنها  “حروب الآلهة”  La Guerre des Dieux .

ويقول: عندما كنت أميناً عاماً لوزارة الخارجية والمغتربين تلقينا من الأمين العام للأمم المتحدة خافير دي كويار، في العام  1987 دعوة رسمية لحضور مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط توليت شخصياً تحضير الجواب الذي وافق عليه رئيس الجمهورية أمين الجميل ورئيس الحكومة رشيد كرامي وبعده الرئيس سليم الحص وكان ذلك إبان ّ القطيعة فيما بينهم، وعممت على بعثاتنا الدبلوماسية والقنصلية كافة. وقد إستندت في وضع الجواب على المعطيين التاليين:

 الأول: أن حل قضية لبنان واضحة كعين الشمس ويكون بتنفيذ القرار 425 الصادر عن مجلس الأمن في العام 1978 والقاضي بانسحاب إسرائيل الكامل غير المشروط من الأراضي اللبنانية، وبالتالي فإن لبنان يرفض التفاوض على أرضه.

الثاني: أن حل قضية الشرق الأوسط يستند على  القرار 242 الصادر في العام 1967  والذي ينطوي على حالة تفاوضية على أرض، بينما لبنان لا.

ويضيف: عرضت الأمر على رئيس مجلس النواب آنذاك السيد حسين الحسيني الذي كان متجاوباً الى اقصى حدود التجاوب وقال لي: الأمر في غاية الأهمية، وسأدعو اللجان البرلمانية المعنية الى إجتماع لهذه الغاية من أجل توفير الدعم اللازم من السلطة التشريعية لموقف  السلطة التنفيذية. وبالفعل دعا الرئيس الحسيني في شباط 1988 الى جلسة خاصة للجان المذكورة التي صدر عنها البيان الآتي المرفق والداعم لموقف الحكومة اللبنانية: “إن تحييد لبنان عن الصراعات الإقليمية والدولية وإسناد دور له بإعتماده من قبل الأمم المتحدة مقراً للحوار بين الأديان والثقافات والإتنيات هو الذي يعطيه هويته الحقيقية ومعناه، بحيث يشعر كل إنسان، الى أي دين أو مذهب أو معتقد أو لون إنتمى، أنه في بيته يمارس حريته الكيانية على أكمل وجه في السر والعلن وبإحترام متبادل مع الآخر، يشاركه الحياة بخلقية وكرامة وانفتاح وسماح.

 وهذا ما يؤمّن للبنان الحماية والحصانة والتعاطف والدعم، ويبعد عنه العنف والإنقسام وغدرات الزمان ويوفر له الإستقرار والسلام والوحدة ضمن التنوع، ويعزز الإلفة والوئام ويقوي الثقة بقدرة الوطن ويدفع إنسانه الى الإبداع والإبتكار.

وهنا لا بد من التوضيح ان لبنان لا يمكن أن يكون حياديا إزاء ثلاثة: إسرائيل، الإجماع العربي إذا حصل، وبين الحق والباطل.


مواضيع ذات صلة:


 

Post Author: SafirAlChamal