حياد لبنان.. خيار استراتيجي بين نقيضين (14)… صبحي عبدالوهاب

تنشر ″سفير الشمال″ على حلقات كل يوم ثلاثاء دراسة حول طرح ″الحياد″ أعدها الباحث صبحي عبدالوهاب، وفيما يلي الحلقة الرابعة عشر..

تطرق البيان الختامي لسينودس أساقفة الكنيسة المارونية الذي إنعقد في بكركي بتاريخ 19 حزيران 2021  الى الشأن الوطني معلناً تأييد الآباء موقف أبيهم البطريرك مار بشاره بطرس الراعي في تحرّكه الوطني الهادف إلى إنقاذ لبنان بعد تعثّر التوافق السياسي وانسداد الأفق أمام إيجاد مخرج للأزمات المتراكمة والانهيار الحاصل، وذلك عبر الدعوة إلى إعلان حياد لبنان تحييدًا ناشطًا، قناعةً منهم بأن حياد لبنان هو ضمان وحدته وتموضعه التاريخي في هذه المرحلة المليئة بالمتغيرات الجغرافية وضمانة دوره في استقرار المنطقة لاسيما أن الحياد يتماشى مع الدستور والميثاق الوطني ويؤمن الاستقرار والازدهار، وإلى عقد مؤتمر دولي برعاية الأمم المتحدة لأنها هي المخوّلة بحكم تأسيسها وقوانينها، الدفاع عن الشعوب المظلومة والمغلوب على أمرها، وتطبيق القرارات الدولية المتخذة والتي لم تُطبق حتى الآن وهم يرافقون صاحب الغبطة بصلواتهم فيما يحمل القضيّة اللبنانيّة إلى المراجع الدوليّة والكنسيّة العليا. يتقدم الآباء بعاطفة الشكر والامتنان إلى قداسة البابا فرنسيس الذي يحمل همّ لبنان والحفاظ على هوّيته على الدعوة التي وجّهها إلى رؤساء الكنائس في لبنان إلى لقاء يعقد في الفاتيكان في الأول من تموز من العام الجاري 2021 تحت عنوان: « لقاء تفكير وصلاة من أجل لبنان ».

كل ذلك لأنه يحرص، كما حرص أسلافه في الكرسي الرسوليّ، على أن يبقى لبنان بلدًا رسالة ونموذجًا في الحرية والديمقراطية والعيش المشترك المسيحي الإسلامي في احترام التعددية، وأن يستعيد دوره السياسي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي بعد أن يكون أبناؤه قد توافقوا وبنوا بيتهم المشترك في دولة مدنية ديمقراطية حديثة، دولة الحقّ والمواطنة. 

وتكمن المشكلة برأي الوزير السابق ​ملحم الرياشي​، في وجود لبنان على مفترق صراع إقليمي ودولي، وأن الحياد الذي أعلن عنه ​البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي​ يشكل “القبة الحديدية” التي يمكن تحتها حل كل شيء. ولا يمكن أيضاً حماية لبنان إلا بـ”الحياد البطريركي”، لأنه مشروع يشكل مدخلاً للمصالحة الوطنية الشاملة الحقيقية التي لا يمكن أن تتم إلا من خلال قضية تحاكي الواقع، وهذا الحياد قادر على إعادة النهوض باقتصاد لبنان. و”الحياد هو إنحياز إلى الحق بإبعاد لبنان عن الصراعات والارتباطات ولا حل آخر غير الحياد لأن كل الدول تخلت عن لبنان، والحكومة لم تتمكن من إجتراح الحلول والبنية التحتية للدولة عقيمة. و”البطريرك الراعي مستمر في فكرة الحياد الذي لا يلغي بأن تكون طرفاً في الصراع العربي – الإسرائيلي”، موضحاً أن “الفاتيكان خائف جداً على لبنان ونحن نعيش تهديداً يومياً بلقمة عيشنا”.

وعاود الرياشي التاكيد على محورية “الحياد” في مقال له على موقع post.com 180 الإلكتروني بتاريخ 1 نيسان 2020 ، أن عبر الحياد اللبناني يبرز دور لبنان الطليعي الجامع في المشرق ليكون واحة التنوع والالتقاء لكل حضارات الشرق وجامعة ثقافية حقيقية تقدم للشعوب نموذجاً اذا ما احتذي به، يمنع تكرار “باتاكلان” وسواها وعبره تثمر بذور ثورة شباب وشابات لبنان، وتعطي لشكلها معنىً لسبب؛ فلا تقتصر على صرخة جوع.. ومن ثمّ تزول. ولو يطول التعداد، نكتفي لنخوّل هذه السطور ان تتحول فاتحةً لحوار جدي بين اللبنانيين على مشروع إنقاذي حقيقي وواقعي خارج السياقات المتكررة والمدمرة، سواء على حساب طائفة دون أخرى أو من أجل قضايا أثبتت تجارب التاريخ ان حق القوة يتفوق فيها وعليها، ولكن في كل الحالات، على حساب وطن.. ومن له أذنان…

وهذا ما دفع انطوان مسرة الى معاودة إعتبار تحييد لبنان هو نتاج لثمرة معاناة لأننا إعتدنا طيلة قرون على حمل قضايا غيرنا فالحقنا الضرر بقضيتنا وبقضايا الغير!  كل سجال حول هذا التحييد، خارج جذوره التاريخية وشرعيته اللبنانية والعربية والدولية، هو هروب وابتزاز وتبعية. فقضية لبنان هي الاهم ولا تعلو عليها اية قضية اخرى. الهدف الاسمى لتحييد لبنان هو تحقيق رسالة لبنان في العيش معا، والذي هو اكثر من بلد حسب قول البابا يوحنا  بولس الثاني، وتوفير النموذج للعلاقات المسيحية والاسلامية. وهو تجسيد لاعلان الازهر حول المواطنية والعيش معا(2017 )، واعلان دبي حول الاخوة الانسانية (2019). ويخلص مسرة الى وجوب إقتناع اللبنانيين في النهاية باهمية الحيادلأن هذا العرض غير  قابل للمزايدة في الوطنية بعدما إختبر اللبنانيون والعرب الكلفة المأساوية لكل المزايدات لكنه قابل للنقاش والنقد والإعتراض والتطوير، لكن من منطلق تاريخي ودستوري وإختباري وإنساني، وليس من منطلق عقائدي أو إيديولوجي  فكل خلاف حول مضمون التحييد اللبناني هو مصطنع. المطلوب العودة الى الجذور، بدعم عربي ودولي ووطنية لبنانية مستعادة.

وقد سبق للوزير الكتائبي الأسبق سجعان قزي تناول موضوع “الحياد” ويقول بصدد هذا الخيار: “إنّ تبنّي البطريرك الراعي مشروع الحياد الناشط هو لإحياء مفهوم “لبنان الكبير” وفلسفة نشوء هذا الكيان. فالكنيسة المارونية أرادت لبنان مستقلّاً لا دولة قوميّة مسيحيّة ولا جزءاً من سوريا”. ويعتبر قزي “انّ موقف البطريرك الراعي يهدف إلى تثبيت كيان لبنان لمئة سنة جديدة” وقد أطلق في عظاته مفهوم “الحياد الناشط” وصار، بالإضافة إلى المؤتمر الدولي الخاص بلبنان، ركيزة الديبلوماسية البطريركية اليوم في المحافل اللبنانية والعربية والدولية والأممية. أما في ما يتعلق بالحياد العسكريّ فيوضح القزي ان هذا الخيار ايضاً لا يعني عدم الدفاع عن أراضينا.

وحول كيفيّة تطبيق حياد لبنان بعد نشوء الكيان الإسرائيليّ عام 1948؟ يجيب قزّي: “باستثناء نشوء دولة إسرائيل، جميع التحوّلات التي حصلت في لبنان ومنطقة الشرق الأوسط تعزّز المطالبة بتطبيق حياد لبنان. أمّا حيال إسرائيل، فلبنان ملتزم ما بقي من القضيّة الفلسطينيّة، لكنّه يحافظ على الحياد العسكري بانتظار السلام مع إسرائيل. وحتّى السلام مع إسرائيل لا يمكن أن يتمَّ قبل حلّ القضايا العالقة معها، وأبرزها: الاعتراف بحدودنا الدولية انطلاقاً من خطّ الهدنة، الاتفاق حول ثروات النفط والغاز، إيجاد حلٍّ للاجئين الفلسطينيين في لبنان، والتزام إسرائيل عدم الإعتداء على دولة لبنان والاعتراف بحياده. إنّ السلام اللبناني مع إسرائيل لا يرتبط بالسلام العربي معها، خصوصاً أنّ العرب صالحوها، بل بالقضايا الثنائيّة العالقة”. و”إنّ الحياد العسكري لا يعني الإمتناع عن الدفاع عن أراضينا في حال تعرّضها لإعتداء، لذلك يجب أن يكون قرار الحرب والسلم محصوراً في يد الدولة اللبنانية فحسب”.

وحول كيفيّة تطبيق حياد لبنان بعد نشوء الكيان الإسرائيليّ عام 1948؟ يجيب قزّي: “باستثناء نشوء دولة إسرائيل، جميع التحوّلات التي حصلت في لبنان ومنطقة الشرق الأوسط تعزّز المطالبة بتطبيق حياد لبنان”.


مواضيع ذات صلة:


 

Post Author: SafirAlChamal