حياد لبنان.. خيار استراتيجي بين نقيضين (20)… صبحي عبدالوهاب

تنشرسفير الشمال″ على حلقات كل يوم ثلاثاء دراسة حول طرح ″الحياد″ أعدها الباحث صبحي عبدالوهاب، وفيما يلي الحلقة رقم عشرين..

إرتبطت فكرة الحياد اللبناني بالأوضاع والمتغيرات السياسية في المنطقة العربية، فواكبت بخفر وحياء كل حدث مهم، حتى إذا ما هدأ أو زال، إعتلت المنابر تقنع الناس بفضائلها. ويضع المنادون بها دائماً نصب أعينهم وأعين مواطينهم المثل السويسري، ويطالبون بالإقتداء به، مع أن التشبه بسويسرا، في هذا المضمار لا يجوز وذلك لأسباب عدة:

ان حياد سويسرا كان نتيجة أوضاع أوروبية وحصيلة ملابسات سياسية خاصة لم يعرفها لبنان. وحياد سويسرا لم يحمها من الغزو النابليوني. ولا علاقة لحيادها بتعفف هتلر عن إجتياحها. وحيادها سلبي إنعزالي سلبي إنكماشي يهدف الى التنصل من كل قضية دولية، ولو كانت إنسانية، والى تجاهل كل خلاف دولي، ولو كان فيه هلاك العالم، والى تجنب المشاركة في أي مجهود بناء، ولو كان الغرض منه توفير الرفاهية للناس وتأمين المزيد من السلام والوئام في الكون.

هذا النوع من الحياد المقيت يتعارض مع ما يتمناه أنصار الحياد في لبنان من إنفتاح على العالم لنشر رسالته “الحضارية”. وحياد سويسرا يراه الدكتور محمد مجذوب مادي نفعي أناني، غرضه الرئيسي إجتذاب الرساميل الأجنبية لتوظيفها في خدمة الإمبريالية العالمية وصناعة الأسلحة الفتاكة. ثم أن سويسرا ليست مهددة بخطر صهيوني جاثم على الحدود يترقب الفرص للإنقضاض عليها. ومع أنها ليست مهددة بأي خطر في الوقت الحاضر، فهي تحرص دوما على أن يكون لديها جيش نظامي قوي. ولعل ذلك يتنافى مع إدعاء البعض من انصار الحياد بأن قوة لبنان في ضعفه، وبأن الصدقات الدولية قادرة على حمايته من كل إعتداء.

ويتساءل الدكتور مجذوب عن حجج المنادين بالحياد اللبناني؟ فيجد أن بالإمكان تلخيصها، ويشير الى أن المطالبة بالحياد ليتمكن لبنان من تأدية دوره الإقليمي ورسالته الكونية، فأول ما يفترض فيه أن يكون أميناً نحو نفسه، غير متنكر لشخصيته، أو مساوم عليها، أو متهرب منها، أو مزيف لها، أو خجول بها. وإعتبار مبدأ الحياد مبدأ يفرضه الواقع اللبناني ومبدأ كياننا يرسخ قواعد الكيان. والإعتقاد بأن حرص لبنان على الحرية والديمقراطية، والوضع الداخلي فيه يفرضان عليه الحياد. الإيمان بان في الحياد خير مخرج للبلاد من أزماتها السياسية والإجتماعية والروحية والمناداة به ليكون للبنان علاقات طيبة مع جميع الدول. ويتساءل الدكتور مجذوب وفي نفس السياق، هل بإمكان لبنان أن يصبح دولة محايدة، أو ما هي شروط الحياد؟ وبالتبسيط نقول أن الحياد يتطلب، بشكل عام، أربعة شروط أساسية: الاول هو موافقة جميع رعايا الدولة او غالبيتهم الساحقة على مبدأ الحياد. والثاني هو موافقة الدول المجاورة على الحياد. ومن الصعب أن نتصور قبول سوريا، التي تخوض صراعا قومياً مصيريا مع إسرائيل بنظام حيادي في لبنان من شأنه أن يعزله عن قضايا الأمة العربية. اما إسرائيل فلن توافق على حياده لأن هذا الحياد سيقف عائقاَ في وجه أطماعها التوسعية. والثالث هو قدرة الدولة المحايدة على حماية حيادها بنفسها. والرابع أن يكون الحياد في مصلحة الوطن وملائماً لحاجاته.

ويعتقد البعض أن للحياد اللبناني ميزتين اساسيتين تجنيب لبنان شر إسرائيل وبالتالي تخفيف عبء الاستعداد العسكري عن كاهله، ثم تامين اسباب الإزدهار له. ولكن الحياد الذي يستدعي المزيد من القوة العسكرية يزيد اعباء لبنان ولا يخففها. واما الإزدهار المنتظر فلن يكون من نصيب لبنان الحيادي. فالرساميل التي تتدفق على لبنان عربية في معظمها، وهي ستتوقف أو تقل عندما يشعر أصحابها بإبتعاد لبنان عن مسيرة العروبة.


مواضيع ذات صلة:


 

Post Author: SafirAlChamal