حياد لبنان.. خيار استراتيجي بين نقيضين (18)… صبحي عبدالوهاب

تنشر ″سفير الشمال″ على حلقات كل يوم ثلاثاء دراسة حول طرح ″الحياد″ أعدها الباحث صبحي عبدالوهاب، وفيما يلي الحلقة الثامنة عشر..

لم يتأخر المحامي روجيه إده في الإنضمام الى قافلة دعاة  “الحياد” والعاملين له وهو ينشط من أجله ويدافع عن أطروحته ويبررها جغرافياً وتاريخياً وسياسياً ودولياً. ويسعى الى إقناع القوى الدولية والإقليمية والداخلية بالقبول بها وإعتمادها كحل وحيد ومناسب للقضية اللبنانية، إذ يؤمن إيماناً راسخاً بأن موضوع حياد لبنان لم يعد مجرد إمكانات أو دعوة تطلق في هذه المناسبة او تلك، أو إعتباره حلاً مثالياً بعد أن تلاقي الحلول الأخرى الفشل الذريع،  لذلك فقد وجد الدافع والمحفز لإنشائه “حركة لبنان المحايد” التي تحمل في طياتها معاني عدة منها الإيمان الراسخ بصحة مبدأ الحياد اللبناني وأهميته وتأمين الفاعلية الضرورية لترسيخ هذا الإيمان لدى أكبر قدر ممكن من المعنيين بالوضع اللبناني في الداخل والخارج والوصول عبر الإيمان والفاعلية الى تحقيق حياد لبنان وعبر القناعة اللبنانية والتوافق الدولي ومن أجل ذلك صب أنشطته منذ زمن بعيد وبالتحديد من العام 1982 بإتجاه الأوساط العربية والدولية من خلال إتصالاته الشخصية بالقيادات السياسية سواء أكان داخل الإدارة الأميركية وفي مجلس الشيوخ الأميركي أو داخل الحكومة الفرنسية. وفي خط مقابل يكتب مقالاته  في كثير من الصحف الغربية الكبرى واللبنانية والعربية محللاً المشكلة اللبنانية وداعياً الى تحقيق حياد لبنان على الطريقة النمساوية، حياد يخرج لبنان من الصراع العربي – الإسرائيلي  من دون أن يفقد لبنان هويته العربي وإنتمائه الى العالم الحر.

واشار ايلي مصبونجي في ملف حول الحياد نشر على موقع Triloguenews.com توأم “المركزية” في فرنسا الى انه قد تم ذكر حياد لبنان واستحضاره ألف مرة منذ إعلان دولة لبنان الكبير، التي احتفلنا للتو بالذكرى المئوية لإعلانه في حضور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. ويمكن للمحادثات اللبنانية – الإسرائيلية حول ترسيم الحدود البحرية والبرية للبلدين – التي بدأت عام 2020 وأعلنها رئيس المجلس النيابي الأستاذ نبيه بري ويقودها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والحكومة وفق الدستور اللبناني، أن تشكل خطوة كبيرة نحو تحقيق حياد البلاد. في الواقع، بمجرد الاعتراف المتبادل بالحدود، سيؤدي الى تخطي حالة الحرب ودور المقاومة اللبنانية وسيتم إضفاء الشرعية الكاملة على الحياد اللبناني، ليصار بعدها الى ايجاد الصيغة المناسبة فقط، والمستوحاة من النماذج النمساوية والسويسرية. 

وبالفعل في عام 1982، وفي ظل الاحتلال الإسرائيلي الذي كان جيشه يحاصر بيروت الغربية، تم وضع صيغة للحياد برعاية واشنطن لوضع حد للحرب الأهلية اللبنانية التي قاومها آلاف الفلسطينيين المدججين بالسلاح، بعد أن هجروا معسكراتهم في ضواحي العاصمة.، فشعرت الصحافة الدولية والرأي العام بالقلق من محاصرة الجيش الإسرائيلي لعاصمة عربية. 

وكانت سابقة، دفعت الولايات المتحدة والدول الأخرى الصديقة للبنان إلى البحث عن صيغة حياد تضع حداً للاشتباكات مع منظمة التحرير الفلسطينية وحلفائها وتسمح بإخلاء الفلسطينيين، وهو ما تم أخيرًا  كما هو معروف، تحت حماية “قوات المارينز”. ” وفي ذلك الوقت، تحاور المبعوث الاميركي للشرق الاوسط فيليب حبيب ومبعوثًا آخر موريس دريبر، على الفور مع شخصيات لبنانية بشأن صيغة تسمح للبنان باستعادة استقراره والحفاظ عليه في ظل اضطرابات الشرق الأوسط . وفي  العام 1982 ايضاً  دعت فرنسا ومصر في بيان مشترك إلى حياد لبنان. 

ومرة اخرى وبالنسبة الى روجيه إده، الذي يرأس حاليًا حزب “السلام” اللبناني”، فيصر على ان  الحياد النمساوي هو الأنسب للبنان لأن هذه الصيغة تتيح له حرية الاختيار في مسائل السياسة الخارجية والتحالفات. في عام 1982، لعب إده دور المحاور اللبناني الرئيسي للمبعوثين الأميركيين والتقى المستشار النمساوي برونو كرايسكي في ذلك الوقت لدراسة صيغة الحياد التي اعتمدتها فيينا بشكل أفضل وعلى صعيد العلاقة مع إسرائيل ، يذكّر إده اليوم بأن الحدود اللبنانية الإسرائيلية – التي يفضل البعض تسميتها “خط التماس” – تم تحديدها والاعتراف بها من خلال اتفاقية الهدنة التي وقعها ممثلو الدولتين وصادقت عليهما الأمم المتحدة عام 1949. ومنذ ذلك الحين، يضيف إده، هذا الحياد العسكري الذي كرسته حالة الهدنة هو الذي ألهم جميع قرارات مجلس الأمن حتى عام 2006 ، ولا سيما قرار مجلس الأمن القرار 1701 وبالطبع القرارات 425،520 و 1959. وفي هذه المرحلة الحالية  لا تزال إسرائيل هي التي تحث على وضع مشروع الحياد على بساط البحث وخطورة الوضع في البلاد. وتقدم حجة أخرى لأولئك الذين يعتقدون أن “الحياد اللبناني” وحده هو الذي ينقذ البلد ويوصله الى بر الامان، والمطلوب تنفيذه بعد تحقيق اللامركزية الملائمة. وإلا  سيتم تهميش لبنان، في وقت تحاول فيه دول الخليج أن تحقق مع إسرائيل ما عجز لبنان عن تحقيقه. على الأقل هذا ما يقولونه ويجعلون الآخرين يقولونه.


مواضيع ذات صلة:


 

Post Author: SafirAlChamal