حياد لبنان.. خيار استراتيجي بين نقيضين (16)… صبحي عبدالوهاب

تنشر ″سفير الشمال″ على حلقات كل يوم ثلاثاء دراسة حول طرح ″الحياد″ أعدها الباحث صبحي عبدالوهاب، وفيما يلي الحلقة السادسة عشر..

إحتل ملف “الحياد” في بعده الدولي مكان الصدارة في يوم “التأمل والصلاة من أجل لبنان” الذي أقيم في حاضرة الفاتيكان في الأول من تموز من العام الجاري 2021 وتلازم مع صرخة الحبر الأعظم البابا فرنسيس “كَفَى اسْتِخْدامُ لبنانَ والشَّرْقِ الأوْسَط لِمَصالِحَ وَمَكاسِبَ خارجِيَّة! ويَجِبُ إعْطاءُ اللبنانِيِّينَ الفُرْصَةَ لِيَكُونوا بُناةَ مُسْتَقْبَلٍ أفْضَل، علَى أرْضِهِم وَبِدونِ تَدَخُّلاتٍ لا تَجُوز”، لا سيما أن الخطاب الإيديولوجي المزمن الذي تمتاز به نظرة الفاتيكان تجاه لبنان تشكل دافعاً للعودة الى الذاكرة التاريخية من خلال ما ورد في سياق خطاب الحبر الأعظم أمام مكونات المسيحية في الشرق بالرغم من حضور ومشاركة من لا رابطة تاريخية تشدهم الى الكرسي الرسولي في روما حيث قال: “لَقَدْ تَمَيَّزْتُم علَى مَرِّ القُرُون، حَتَى في أَصْعَبِ اللحَظات، بِرُوحِ المُبادَراتِ والاجْتِهاد. أَرْزُكُم العالي، رَمْزُ بَلَدِكُم، يُذَكِّرُ بِغَنَى وازْدِهارِ تارِيخِكُم الفَريد. أَرْزُكُم يُذَكِّرُ أيْضًا أنَّ الأغْصانَ العاليَّة تَنْطَلِقُ مِنْ جُذُورٍ عَميقَة” إذ ثبتت الكنيسة المارونية وحدها من بين البيع الشرقية في طاعة روما، فكافأها البابا أوجينيوس، واعترف ببطريركها بطريركاً على الكرسي الأنطاكي. فخشي المماليك من تنامي سلطة هذه البطريركية، وخرّبوا مركزها في ميفوق، فإنتقل البطريرك إلى دير سيدة قنوبين في جبة بشري. وتقوّت الكنيسة المارونية بعناية روما، واستعاد بطاركتها بفضل هذه العناية سلطتهم الأولى، ونجحوا في تحجيم سلطة المقدّمين. في العام 1515، وهي السنة الأخيرة من حكم المماليك لبلاد الشام، كتب البابا لاوون العاشر إلى البطريرك الماروني الحدثي ممتدحاً: “نشكر القدر الإلهي الذي شاء، بحلمه العظيم، أن يبقي عبيده المؤمنين، من بين الكنائس الشرقية، مصيبين في وسط الكفر والبدع كالوردة بين الأشواك”. ومن ثم يستدرك البابا فرنسيس بقوله في سياق كلمته “نَحْنُ المَسِيحيِّين مَدْعُوونَ لأن نَكون زارِعِي سَلامٍ وَصانِعي أُخُوَّة، وأَلَّا نَعِيشَ علَى أحقادِ الماضي والتَحَسُّر، وأَلَّا نَهْرُبَ مِنْ مَسؤُولياتِ الحاضِر، وأَنْ نُنَمِيَ نَظْرَةَ رَجاءٍ في المُسْتَقْبَل. نَحْنُ نُؤْمِنُ أنَّ اللهَ يَدُلُنا علَى طريقٍ واحدٍ فَقَط في مَسيرَتِنا: هُوَ طَريقُ السَّلام. لِهَذا نُؤَكِدُ لإخْوَتِنا وأَخَواتِنا المُسْلِمينَ وَمِنَ الدِياناتِ الأُخْرَى الانْفِتاحَ والاسْتِعْدادَ لِلتَعاوِنِ لِبِناءِ الأُخُوَّةِ وَتَعْزِيزِ السَّلام. السَّلام “لَيْسَ فِيهِ غالِبونَ وَمَغْلُوبون، بَلْ إخْوَةٌ وأَخَوات، يَسِيرونَ مِنَ الصِّراعِ إلى الوَحْدَة، رَغْمَ سُوءِ التَفاهُمِ وَجِراحِ الماضي، فإستلهموا ” مِثالُ الذينَ عَرِفُوا أنْ يَبْنُوا أَسُسًا مُشْتَرَكَة، لأَنَّهُم رأَوا، في التَنَّوِعِ لا عَقَبات، بَلْ فُرَصًا لِلبِناء. تَأَصَّلُوا في أَحلامِ أَجدادِكُم، أَحلامِ السَّلام. ابْحَثُوا في جُذورِ تاريخِكُم عَنِ الرَّجاء، لِتُزْهِروا وَتَزْدَهِرُوا مِنْ جَدِيد”.

ولم يتردد البطريرك الراعي فاوضح أنّ موضوع حزب الله كان موجوداً في المداخلات التي شهدتها الثلاث جلسات المغلقة ومن هنا إنبثق توجه الباب فرنسيس الى أعضاء المُجْتَمَعِ الدَوْليّ ليشير الى انه “بالجهد المُشْتَرَك، وَفِّرُوا لِلْبَلَدِ الظُروفَ المُناسِبَة حتَى لا يَغْرَق، بَلْ يَنْطَلِقُ في حَياةٍ جَدِيدة. سَيَكُونُ ذَلِكَ خَيْرًا لِلجَميع”.

وفي هذا السياق، فإن أحاديث البطريرك الراعي سيدور حول ضرورة تأمين حياد لبنان الناشط، وطلب مؤازرة الفاتيكان في عقد مؤتمر دولي من أجل إنقاذ لبنان والتمسّك بالدستور اللبناني ورفض تغييره تحت قوّة السلاح، أو نتيجة نزوات سياسية وسلطوية لأحد. وكذلك فإن مواقفه باتت حازمة بضرورة صون الدولة اللبنانية وحفظ الكيان في مئويته الثانية، ومنع زواله وتدعيم أسس الدولة وعدم السماح للدويلة بالسيطرة عليه، وعدم القبول بأي سلاح على الأراضي اللبنانية غير سلاح الجيش اللبناني والقوى الأمنية اللبنانية وهي القاعدة التي تستند عليها الحركة الدبلوماسية الأجنبية والعربية على المستويين الدولي والإقليمي وتجلت بالإهتمام والحراك الذي تشهده المنطقة في المرحلة الراهنة من مسارها التاريخي.


مواضيع ذات صلة:


Post Author: SafirAlChamal