روسوس (Rhosus) تُعَوَّم مجدداً وهيكل القضاء يتهاوى!.. شفيق ملك

في ظِلِّ الأوضاع المتردية في الساحة اللبنانية وما صاحبَها من تدهورٍ حاد، ومن انهيار قياسي لليرة اللبنانية مقابل الدولار الأمريكي، قفزَ الدولار فوق حاجز إلـ60.000 ليرة وانعكس سلباً على الحياة المعيشية للمواطن اللبناني. 

مشهدٌ معيب دون أي إجراء تصحيحي لارتفاع الدولار من قبل الهيئات الحاكمة. إنها رغبة جامحة لدى بعض التجار على اختلاف مشاربهم لمزيد من الكسب المادي وسحب من جيوب الشعب اللبناني المُحَمَّل بالآلام دون سند. 

هذا هو الفساد بعينه ينتقل من المنظومة الفاسدة إلى بعض التجار الفاسدين أقاموا الفساد في المجتمع دون رادع، والشعب بأسره مأخوذ مخدَّر يحومُه صمتٌ رهيب، قبولٌ بما يجري حوله في الأسواق السوداء. 

العملة الخضراء تخرج تهريباً إلى خارج حدود الوطن ليزيد شرخاً إضافياً في الاقتصاد الوطني والمسرحية تتوالى فصولها دون توقف. وجاءت لحظة تاريخية دون مقدمات لها، فجأة برزت صيحة مُدوِّية من داخل الجسم القضائي، انتفض المحقق العدلي طارق بيطار المتوقِّف كلياً في تسيير القضية وذلك لإيجاد مخرج ما قانوني يستند إليه لمتابعة قضية تفجير المرفأ بعد توقف طويل تعود لأسباب قانونية عديدة وإجراءات إدارية في أصول التحقيقات والاستنابات القضائية. 

ماذا حدث إذاً ولماذا استدرك الآن القاضي بيطار تحريك مسار القضية في يوم مفصلي؟. بالإجابة عنها في السياسة تحاليل كثيرة واتهامات يتبعها إملاءات من هنا وهناك وصلت أسبابها حتى القارة الأمريكية عبر القارة العجوز.

السبب الحقيقي لن نصلَ إليه إلا من خلال المحقق طارق بيطار وذلك بسبب سرِّية التحقيق وعدم التدخل في شؤون القضاء. فلننتظر القرار الظني أو القرار الاتهامي. بالمقابل القاضي غسان عُويدات، المدعي العام التمييزي رئيس بيطار أيضاً والمتنحِّي عن القضية طواعيةً، قَابلَ الخطأ الإداري في الشكل وتَجاوزَ كلُ من في الجسم القضائي قانونياً فأخلى سبيل جميع الموقوفين لدى التحقيق في قضية المرفأ دون تمييز مرتكباً أشدُّ خطأً وإيلاماً. ألحقها باستدعاء المحقق العدلي في القضية نفسها. 

شرخٌ عامودي كبير في جسم القضاء اللبناني أمام أعين ذوي الضحايا والمتضررين جميعا، وأمام الملأ كله والرأي العام المحلي والدولي. 

الساسة في لبنان منقسمون بالرأي في قضية انفجار المرفأ منذ حدوثها وهذا الأمر يبدو طبيعيا في ظل المناخ السياسي اللبناني المتجذِّر منذ سنين طويلة. لذا من واجب القضاء اللبناني المستقِلّ إعادة تماسكه كجسم واحد، أن يقف وقفة ضمير ليَنْظُرَ في مثل هذه القضية المُعَقَّدة بجدية وترفُّع دون أدنى تأثير من محيطه السياسي الداخلي والخارجي. ثالث انفجار في العالم قوةً وتدميراً، جريمةُ العصر وصلت إلى حائط مسدود (Dead Lock)

 الساسة في لبنان كل لديه نظريته والكل يتبرأ من باخرة الموت السفينة رسوس (Rhosus) التي حُمِّلت شحنة نترات الأمونيوم من أقاصي الموانئ وأبحرت عبر البحار وغيرت وجهة بوصلتها بعد إبحارها وجهتها الأصلية موزامبيق فاختارت من جميع الموانئ ميناء بيروت لترسُوَ فيه. لماذا؟ سؤال يحتاج إلى معادلة من الدرجة الخامسة لفكِّ رموزها وتكوينها. 

رست روسوس في مرفأ بيروت بريبة ما بسبب عطل يحتاج إلى إصلاح. ما هي المستندات الأساسية في الشحن، البيان الكامل التوضيحي للسفينة (The manifest) مالك السفينة، وجهة شحن النترات والمنتفع منها صاحب النترات، أسئلة كثيرة حتى الآن يشوبها الغموض فلننتظر التحقيق. 

ومضت فترة زمنية للسفينة عند رُسوُّها في ميناء بيروت قبل تدخل القضاء، الجمارك، المحامون والأمة بأسرها وفي لحظة محورية أُطلقَ سراح قبطانها وبحارتها. خُزِّنَتْ المتفجرات في مخازن المرفأ سبع سنوات بحجة أو دونها ورست السفينة في وجهتها الأخيرة قعر ميناء بيروت وتَنَاسَتْ وجهتها الأصلية موزامبيق. حُرِسَتْ نترات الأمونيوم في مخازن المرفأ سبع سنوات حُرَّاسُها أشبه بتماثيل مُسَنَّدَة، العقل والمنطق يقول إن جزءاً كبيراً من النترات تَسَلَّلَت خارج المرفأ بواسطة (The manifest) آخر دون بيانات وإحداثياتها غير معروفة. للعلم لو تفجَّرت كامل الشحنة من النترات لخسِرنا عروس المتوسط بيروت. هناك أسئلة كثيرة ومسلمات لا خلاف عليها في قضية انفجار المرفأ أبْرَزُها:

ـ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حين توجه بكلمة عزاء إلى شعب لبنان جرَّاء الانفجار في مرفأ بيروت ذكر على الهواء مباشرة أن ما حدث سوى أنه نتيجة هجوم مباشر

 (It was a terrible attack, a bomb of some kind) وحين سُئِل من قبل الصحافة أجاب مؤكداً ذلك. 

ـ هناك ثلاث دول كبرى روسية فرنسا وأمريكا تمتلك أقماراً صناعية كُلٌ يدور في مداره الفضائي ولبنان يقع في محيط تلك المدارات. لماذا لا يحصل لبنان كدولة صديقة لهذه الدول على صور هذه الأقمار لحظة الانفجار” قبله وبعده”. 

ـ هناك كثير من المواطنين اللبنانيين الساكنين في محيط المرفأ أكَّدوا وجود تحليق طائرات حربية في المنطقة قبل لحظة الانفجار. هذا الكلام يتطابق مع سياق كلام الرئيس ترامب. 

ـ هناك عدد كبير من الفنيين والخبراء في مواد التفجير من دول شتى جاءوا بكامل معداتهم الفنية لإجراء مسح ميداني وتحقيق شامل على أرض المرفأ وكشف عن طبيعة الانفجار في مسرح الجريمة. أين هي نتائج هذه الدراسات وإلى ما توصل هذا التحقيق علماً أن جميعها جهات دولية. بالمنطق جميع هذه الدراسات موجودة لدى المحقق العدلي بيطار. كل هذه التساؤلات والمُسَلَّمات تظلُّ خارج التداول حتى صدور القرار الاتهامي أو القرار الظني.

أمام كل ما تقدم، على المجلس العدلي ايجاد حل قانوني لمشكلة عويدات ـ بيطار لاستكمال التحقيق. لأنه بالمحصلة هناك انقلاب ما على القضاء ومؤسساته، وبالتالي على القاضي بيطار إيجاد المخرج القانوني بمساعدة المجلس العدلي وهو السبيل الوحيد للولوج مرة أخرى لتكملة مسار التحقيق ولتُعلن الحقيقة العارية أمام الجميع ويُحِقَّ الحَقُّ ولو كَرِهَ السَّاسة المسيَّسون وتنتصرُ العدالة لتُبرِّدَ جراح ذوي الضحايا ويُنصَفون في قضيتهم المُحقَّة. أم أننا أمام مشهد آخر سِرْيالي وهو تعويم السفينة روسوس من قعر ميناء بيروت لتطفُوَ إلى سطح الماء وتعود السفينة إلى الغلاف الجوي لتتنفس مرة أخرى لتفرز حالة جديدة “خالي الوفاض” ويَتَعثَّرُ التحقيق القضائي وتقفل القضية قضية انفجار المرفأ. 

صرخة من القلب ونداء إلى الجميع ونداء إلى جميع القضاة الأحرار، بوحدتكُم تستطيعون التغيير وتحقيق العدالة.

عاش لبنان حراً سيداً مستقلاً..

الكاتب: المهندس شفيق ملك


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal