الزيارة المريبة في ظل شغور الرئاسة!… شفيق ملك

جميلٌ أن نرى انفراجاً ما في ملف لبنان الداخلي الذي أطلَّ علينا هذا الأسبوع وإن بصورة خجولة. موجةٌ من الزيارات تتوالى من قبلِ جهات رسمية من مختلف الدول العربية منها والأجنبية. 

حطَّ على أرض الوطن مبعوثون من مختلف المشارب السياسية دون إعلان لأسباب هذه الزيارات التي يشوبُها بعضٌ من الغموض والريبة، على المواطن أن يلتقط لاحقاً السبب الرئيسي الذي دعت لها هذه الزيارات. 

قد يكونُ مجيئهم إلى لبنان دفعاً إيجابياً للوضع اللبناني الذي بلغ درجة من الترهُّل الشديد ووصل لهذا المستوى من “الستاتيكو” الداخلي في أركان الدولة الرئيسية القضائي، الإداري والتنفيذي. أو أنَّ مجيئهم إلى بيروت العاصمة ساحةً مشرعةً لإطلاق شعارات ورسائل سياسية متعددة وموجهة إلى من يعنيهم الأمر في المحيط الإقليمي والدولي.

يأتي ذلك، فيما إيران على عجلٍ من أمرها في عقد اجتماع مع تركيا، سوريا وروسيا (بداية طريق إنهاء الاحتلال التركي) راعية ربط النزاع بين تركيا وسوريا الى جانب مواضيع هامة أخرى، علماً أن الوزير اللهيان أوضحَ موقف بلاده من محادثات التطبيع بين أنقرة ودمشق خلال مؤتمره الصحفي يوم الجمعة في بيروت مرحباً بهذا المسار. 

في المقابل الوضع في الداخل السوري متشابك ومعقد وفيه لاعبون كُثر من دولٍ كبرى، فهل تنسف إيران هذا المسار أم يُطلق العنان لعقد اجتماع تُبحث فيه جميع الأمور المطروحة بين الأطراف كافة.

إيران يهمها مسار الوضع الأمني في سوريا، وأجندتها الخاصة هي تأمين سلامة الطريق الآمن من اليمن، العراق، سوريا ولبنان. في حين روسيا وتركيا وسوريا لديهم أجندات مختلفة. في نفس الوقت الأراضي السورية مشرعة للعدو الإسرائيلي لشنِّ غاراته الجوية المتفرقة في العمق السوري من وقت لآخر. العدوّ الإسرائيلي يعلنها بصراحة أن إسرائيل تواجه التموضع العسكري الإيراني المستمر في سوريا ويظل لبنان حائراً عند مفترق الطرق. نعم لبنان بأسره مأزوم جداً سياسياً اقتصادياً ومعيشياً دون تمييز، مرتهن بقوى سياسية خارجية ومرهونٌ حالياً بالشغور الرئاسي. لا يتسم عن انفراج لحل مقبول في المنظور القريب.

في الأيام الماضية بدأت تتكشَّفُ حقيقة أهداف زيارة الوفود القضائية من مجموعة الدول الأوروبية ألمانيا، فرنسا واللوكسمبورغ. من الحكمة التريُّث في إعلان النتائج حتى تنتهي جميع هذه الوفود من إتمام تساؤلاتها للقضاء اللبناني المختص في ملفات تم إعدادها بدقة بناء على معطيات رئيسية، مثالُ مقتل مواطنين فرنسيين في انفجار 4 آب في مرفأ بيروت وملفات أخرى مرتبطة بملفات تبييض الأموال نتيجة التحاويل المالية المصرفية الكبيرة التي تمت خلال الفترة السابقة من جميع البنوك اللبنانية إلى الخارج. 

قد يكون هناك أسئلة قضائية تتعلق بالبنك المركزي ومن يديره، أمور تتعلق بودائع المواطنين على اختلاف جنسياتهم والمحتجزة لدى البنوك. تزامناً مع هذه الزيارة القضائية برزت مفاجأة في توقيتها بالشكل والمضمون، زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في ظروف استثنائية في الوضع الداخلي في إيران التي دخلت شهرها الخامس دون انقطاع.

المجتمع الدولي يدين هذه الإجراءات التعسفية من اعدامات قسرية دون محاكمات قانونية عادلة. هذه الاحتجاجات والمظاهرات الشعبية من مختلف الأطياف في جميع صورها تجسِّد رسالة خاصة وموجهة إلى كل رموز السياسية الإيرانية في سدة الحكم. ألَيْسَ غريباً أن يحُلَّ وزير الخارجية الإيراني ضيفاً في لبنان في مثل هذه الظروف المتصاعدة في داخل وطنه وعواصم الدول بأكثريتها تستنكر هذه السياسة القمعية وتندد بما قام به أخيرا المدعي العام التمييزي علي منتظري من إصدار قوانين الإعدام الجائرة في إيران. إلى جانب هذا كله التدهور الاقتصادي المعيشي والتعليمي في شتى صوره. 

عجباً لما يجري الآن في داخل المدن الإيرانية إنما هو قاسم مشترك لنفس المشاكل اللبنانية نقصٌ في مادة البنزين، الفيول والطحين، عشرات من الإيرانيين تقفُ في الطوابير لأجل الحصول على قوارير الغاز، وصولاً إلى إقفال بعض الدوائر الحكومية، المدارس، الأفران وقطعٍ للتيار الكهربائي أحياناً في بعض المناطق. 

غني بالقول أنَّ الوضع الداخلي في إيران أشدّ سوءً مما يجري في لبنان. زيارة وزير الخارجية الإيراني تفسيرُها الوحيد هو الهروب إلى الأمام بتصدير مشاكل إيران الداخلية إلى خارج حدودها. زيارةٌ تستمرُّ لمدة ثلاثة أيام والوزير الإيراني ينفي تدخل إيران في الأمور الداخلية اللبنانية “داعياً إلى التحاور بين كل التيارات السياسية اللبنانية من أجل حل لمسألة الشغور الرئاسي”. 

يضيف الوزير عن استعداد إيران “لتأمين المحروقات لتشغيل معامل الكهرباء بلبنان ولاستحداث معمَلين في بيروت والجنوب”. شعارات تتطايرُ وتتطابقُ بالشكل والمضمون مع ما يجاهرُ به الفريق السياسي اللبناني، فريق الممانعة الذي يؤكِّد أن لا تدخلاً خارجياً في لبنان حاملاً شعاره الوحيد، الحوار والحوار فقط دون تسمية مرشحه للرئاسة وحتى تاريخه، للجلسة رقم 11 في داخل المجلس النيابي، هي الورقة البيضاء. هل بالصدفة جاءت جميع التطابقات في الشعارات وأقوال الوزير الإيراني مع ما يتحفنا به الفريق اللبناني الممانع والمعطِّل لجميع الجلسات الرئاسية وكأن الشغور الرئاسي أشبَه بضيفٍ ثقيل، زيارته مستمرة طويلة الأمد. 

لا يمكننا الفصل بأن إيران لا تتدخل بالشؤون السياسية في لبنان مهما علت التصاريح الإعلامية والمغايرة حقاً في هذا الشأن “كما يقال دائماً أن النموذج العراقي واللبناني هما توأمان متطابقان شاهد من التاريخ الحديث أحداث ثورة 1958 ميلادي في لبنان” رجوعاً إلى عام 2005 ميلادي وحدود العراق مشرعة أمام المد الإيراني دون استثناء، ثرواته الطبيعية تقع كاملة تحت سيطرة وتصرف إيران لفترة زمنية طويلة. هذه الأموال المنهوبة تقدر بحوالي مئة مليار دولار أمريكي حسب ما أفادت به السلطات العراقية. 

العراق هو البوابة الأولى للعبور إلى داخل العمق اللبناني عبر الأراضي السورية الموزعة تحت سيادة السلطات الدولية المختلفة. تواجد روسيا ممثلة بشكل قاعدة بحرية بناءً لطلب الحكومة السورية الشرعية ومنتشرة على الساحل السوري وحلم القياصرة القديم لمنفذ وحيد على البحر المتوسط. دعوة لإيران وحزب الله اللبناني وفرق قتال عراقية وذلك لمساندة عسكرية تحت مسميات مختلفة. في هذا السياق لا أجد لها توصيفاً في القاموس السياسي الدولي.

تركيا مغتصبة جزءٌ كبير من سوريا، بدءً من الحدود التركية السورية بذريعة ضبط الحدود التركية السورية والتي هي بطول 800 كيلومترا وحتى مدينة إدلب. 

أخيراً أمريكا ودول التحالف لها حصة لا يستهان بها بحجة مقاتلة داعش والكلام عن “داعش الخيالي” قصة طويلة. إلى جانب فرق قتالية غير محددة الجبهات أو الجهات. 

العدو الإسرائيلي له حصة أخرى تتمثل بطلعات جوية قتالية لضرب التموضع العسكري لإيران وحزب الله اللبناني. هذا توصيف مقتضب للتواجد الإيراني في الإقليم الدولي الذي يعكس حقيقة السياسة الإيرانية في كل من اليمن والحرب القائمة هناك منذ 26 مارس 2015 ميلادي والحوثي ذراع إيران القتالي المؤتمر من إيران بإبقاء الوضع كما هو، رافضاً للهدنة الأممية لوقف القتال في اليمن. سوريا والحرب مستعِرة منذ عام 2011 ميلادي. العراق حدث ولا حرج. قطاع غزة وإدارة سياستها والتحكّم في قواعد اللعبة العسكرية القتالية حسب ما تراه مناسباً سياسة إيران في الإقليم. مما تقدَّم عن التواجد الإيراني المكثَّف في الإقليم نأمل أن ينحسر عن قريب عن تواجده لكل من اليمن، أن تقف الحرب الحوثية ونقضها للمواثيق الدولية وسلبها ثروات اليمَن الطبيعية ويعود اليمن سعيداً كما كان من قبل. العراق يحقق ما دعا إليه مؤتمر بغداد رقم إثنين بالأردن ويعود العراق قلعة العرب صامداً، سوريا الشقيقة أن تخرج منها جميع القوات الأجنبية وتقف صامدة من جديد ويقف القتال على جميع الجبهات وتعود إلى الجامعة العربية كعضو مؤسس فعال وتعود إلى الحضن العربي. دخول إيران غير المباشر في الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، بتزويدها المسيرات أغضَبَ الناتو.

أما الشأن اللبناني المعقَّد لوحده دون تدخلات بسبب نظام الحكم الطائفي منذ 1860 ميلادي أي قبل الاستقلال من الحكم العثماني والانتداب الفرنسي. 

التيار الوطني الحر الذي أبرم اتفاقية طويلة الصلاحية، اتفاقية مار مخايل، ورَّثها للشعب اللبناني لست سنوات عجاف دامت خلال حكم الجنرال عون وأوصل لبنان بأسره إلى جهنم كما توعَّد ذلك من بعبدا ولا أظن أننا خارجون منها قريبا، أصبحنا الآن في مصيدة أخرى وأن اختلفت بالشكل والوسائل عن سابقتها تحمل عنواناً آخر اسمه الشغور الرئاسي. 

توصيف المشهد في لبنان وكأنه أمام مفترق طرق خطير معقد بسبب عدم توازن القوى السياسية في المجلس النيابي والاختلال الحاد بين الكتل السياسية وإلى أي لبنان يريدون وأي رئيس ينتخبون. كل فريق يحلق عالياً في مواصفات الرئيس الجديد على ألا يكون أبداً مستنسخاً جديداً للعهد الذي قد ولَّى. 

إن عدم الطرح المباشر لانتخاب رئيس للجمهورية كما جاء في نص الدستور اللبناني الذي يؤكد الدعوة إلى انتخابات نيابية حرة مفتوحة الجلسات ذات طابع ديمقراطي دون تحوير. 

خلاصة القول لحل الأزمة اللبنانية رفض الاتفاق المسبق لإسم الرئيس من خلال حوار مفتوح دون تطبيق الدستور وتطيير الجلسات الانتخابية لانتخاب الرئيس عن طريق التصويت وعدم التعطيل للجلسات الانتخابية عن طريق النصاب. اللجوء إلى تطبيق الدستور هو السبيل الوحيد للخروج من هذه الأزمة. 

هذا الأمر أثار حفيظة البطريرك الراعي حيث ناشد غبطته في عظته الأسبوعية. “مجلس النواب يتلطى خلف بدعة الاتفاق مسبقاً على رئيس” كما أنه نبَّه بشدة “الكفّ عن هدم البلاد”. ليلتئم المجلس النيابي بكامله 128 نائبا ويطرح أسماء ثلاثة أو أكثر من المرشحين دون اللجوء إلى استعمال الورقة البيضاء وتجري عملية انتخاب في دورات مفتوحة وليفوز من يفوز إنما بطريقة نيابية حرة دون قيود. هذا هو السبيل الوحيد إلى تحقيق أن لبنان حقاً جمهورية ديموقراطية برلمانية يقوم على احترام الحريات العامة أولها حرية الرأي مستعيدا سيادته المنقوصة وتثبَّت استقلاليته من جديد.

عاش لبنان حراً سيداً مستقلاً

الكاتب: المهندس شفيق ملك


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal