السفن الحائرة أمام سواحل لبنان.. ودولة تتهاوى!… شفيق ملك

لبنان الوطن تتقاذفهُ الرياح العاتية من كل حدب وصوب دون توقف. 

رياح ليست بموسمية، تروح وتجيئ دون أثر. رياحٌ إن ظلت تعصف بنا دون كبحها فلن تبقي حجراً. 

دولةٌ سقطت عند جميع مفاصلها ولا من سائل عنها او مكترث. عجزٌ كامل للدولة وفقدانٌ للقدرة في إدارة شؤونِها. منظومة سياسية مركَّبة فشلت وما زالت مرتبكة امام لعبة المال الجائرة وكيفَ لها ان تتحكّم بمسارِها هبوطاً، صعوداً أو تذبذباً. 

سعر صرف الليرة اللبنانية والدولار حديثُ البلد كله وقد قارب سعرُه عتبة الخمسين ألفاً دون استحياء او استئذان.

نَفَذَ مخزون خزينة الدولة ولم يبق إلَّا القليل. أنفق ساسة لبنان الملايين منذ السابع عشر من تشرين الأول 2019 وشارك الجميع دون تمييز في لعبة الهدر هذه الى أن وصلنا الى حالة من التردّي والهوان. ساستنا اليوم أمام هذه المعضلة تائهون، يتصارعون فيما بينهم دون الوصول لحل مشكلة قائمة. سفن الغاز والفيول ماثلة امام شواطئ لبنان وقد وصل بعضُها منذ أكثر من عشرين يوماً، دون التمكّن من الحصول على إذنٍ لتفريغ حمولتها في المعامل الكهربائية المعنية. 

أصبحت السفنُ كبقية الشعب اللبناني برمته هائمةً أمام طوابير الانتظار. سفنٌ لدى رسوها حملت معها نكهة وإن كانت مُرَّة، لبست حلة إضافية، موسومة بغرامات بند التأخير، تصل قيمتها الى حوالي المليون دولار أميركي بانتهاء هذا الأسبوع. عجباً لهذه اللوحة السوريالية كيف رُسمت خطوطها وألوانها أمام الساحل اللبناني. كل هذا لا يحدث إلَّا في بلد العجائب، فمن المسؤول عن هذه الفضيحة؟ سفنٌ راسية محملة بأطنان من الغاز والفيول دون تفريغها والبلد كله دون كهرباء أو خدمات حياتية أخرى. 

مجلس الوزراء منقسم على نفسه. كتلة التيار الوطني الحر ووزرائه الممثلين في الحكومة المستقيلة، تدين بشدة شرعية انعقاد جلسة للحكومة في ظل غياب رئيس للجمهورية، تساندها كتل نيابية أخرى، علماً أن الدستور اللبناني أجاز بشرعية انعقاد الجلسة في حالة “شغور الرئاسة” والسماح لحكومة تصريف الاعمال بممارسة ومتابعة اعمال الإدارات والمؤسسات العامة المُلحَّة. من هو المسؤول عن هذا الوضع المشين؟ 

أهُوَ الآمر المنفرد للبنك المركزي الجالس في مخبئه، ليُفرج عن حفنة من الدولارات المتبقية في خزينة الدولة؟ أم أنه معالي وزير المال منتظراً كلمة سر تأتيه من داخل أسوار مجلسه؟ أو أنه التراخي المقصود بنية المعارضة السياسية، المسؤول عنها معالي وزير الطاقة، الذي لم يأخذ بالحسبان كل هذه الأمور الخلافية منذ بداية وضع أمر طلب شراء الغاز والفيول وذلك بفتح الاعتماد المصرفي المُلزم كبقية الإجراءات المتعارف عليها تجارياً (approved LC) وما يتبعه من موافقات حكومية رسمية.

كل هذه الفوضى السياسية والمالية لأجل ماذا؟ توفير أربع الى خمس ساعات تغذية كهرباء على الأكثر للشعب اللبناني المثقل بآلام وهموم تأمين لقمة عيشه.

سيناريو آخر يعدُّ له وهو دعوة لعقد جلسة مجلس الوزراء رقم 2، حصولُها مرتقب في الأيام المقبلة، يحضَّر لها عن قرب بعد تكامل أسبابها وتلاؤم ظروفها السياسية. علماً أن عدَّاد الغرامات بالمرصاد يسجِّل لكل سفينة 18.000 دولار عن كل يوم تأخير.

الثنائي الشيعي لم يحسم أمره بعد وهو بصدد انتظار من نوع آخر يعتمد على مزاجية سعادة النائب جبران باسيل المتقوقع وراء تياره وكتلته النيابية المؤلفة من 18 الى 20 نائب. علماً أنَّ فريقاً من الثنائي الشيعي ما زال يمارس حالة مد الجسور فيما بينهما أي مع النائب باسيل وذلك قبل انعقاد الجلسة النيابية المرتقبة في أي يوم من الأسبوع المقبل، لانتخاب رئيس جديد وتحمل معها جلسة رقم 11. 

رئيس الوزراء هدفه القيام بواجب حكومي بتصريف الاعمال لخدمة الشعب اللبناني اصولاً. مما يُلزم انعقاد جلسة مجلس وزراء دستورية يجتمع فيها وزراء الحكومة بكامل أعضائها، حول طاولة واحدة لمناقشة البنود المطروحة لمجلس الوزراء المعلن عنها سابقاً، وعلى رأس القائمة مناقشة بند الطاقة.  

كل هذا يطبق بروحية الحكومة الواحدة التي نص عليها الدستور اللبناني دون تأويل او تحريف. عدم اللجوء الى أساليب لا ترتقِ الى معايير أسس الدولة الحديثة تجنباً لعبارة “غُبْ الطلب” او أي فتاوى من هنا وهناك لحل المشكلة القائمة، وسفن الغاز والفيول المنتظرة لجوءً الى ما يسمى “بالمرسوم الجوال” وكأن بنا عُدنا إلى أيام المتصرفية وعهد الإنتداب الفرنسي. 

لبنان بلد سيادي، قبلة للحريات، عضو مؤسس فعَّال في هيئة الأمم المتحدة منذ نشأتها. منبرٌ يُنير في أصقاع الأرض جميعها عليه ألاَّ يقبل بحل سوى تطبيق الدستور. آمل أن يزول هاجس دفين عند جزء أساسي وهام من الأشقاء الأحبة في الوطن. إن اعتبار استمرار انعقاد مجلس الوزراء للحكومة الحالية المستقيلة بغاية تصريف الاعمال عامل مؤثر في تأخير انتخاب رئيس للجمهورية وضرب أيضاً للوحدة الوطنية والميثاقية أمر مرفوض. إن الهدف أسمى بكثير من ذلك والعكس صحيح بما جاء فيه مطابقاً للدستور مادة رقم 62 التي تنص: “في حال خلو سدة الرئاسة لأي علة كانت تناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء”. لذا أكَّدَ رئيس حكومة تصريف الأعمال انه “لا يوجد إمكان لإعطاء سلفة لكهرباء لبنان الا بمرسوم من مجلس الوزراء ولا يمكن التصرف بعكس ما ينص عليه قانون المحاسبة العمومية”.

لتُصَفَّى النوايا بين الافرقاء السياسيين ويطبق الدستور، وتُفرَّغ البواخر من حمولتها، ويُترك العنان لصفارات معامل الكهرباء باطلاق التيار الكهربائي في خدمة المواطن اللبناني، ولتُدفن الأحقاد وليُرفع شعار قديم جديد مناسب لتسويقه اليوم مرة أخرى “لا غالب ولا مغلوب”، شعار أطلقه دولة الرئيس الراحل صائب سلام.                 

عاش لبنان حراً سيداً مستقلاً…

الكاتب: المهندس شفيق ملك

المصدر: سفير الشمال


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal