الرئاسة الأولى بين عواصم القرار!… شفيق ملك

صادف شهرُ الصيام لكل من الطائفة الإسلامية والمسيحية في العالم في فترة زمنية واحدة. تَقارب فيها أيضاً عيد الفصح المجيد مع عيد الفطر السعيد حتى كادا أن يتلاقيا فَجَمعهما شهرُ نيسان.

ظنَّ الساسة في لبنان وجُلُّهم مَن هلَّلَ، أنَّ شيئاً ما يحاكُ في دهاليز باريس السياسية من داخلِ غُرفها الخفيّة التي خرج منها قصصاً من نسج الخيال ووعوداً لم تصل نتائجُها إلى برِّ الأمان. وأُسْدِلَ الستار عنها أخيراً فإذا بها أشبه بكذبة أول نيسان.

مرشَّح فريق الممانعة في لبنان يُمهِّد له الطريق مايْسترو واحد هو مستشار الرئيس الفرنسي السيد باتريك دوريل إلى جانب مسؤولين فرنسيين آخرين.

السيد دوريل يُنسِّقُ بين عواصم القرار باريس، واشنطن، الرياض، القاهرة والدوحة أي دول القرار الخمس المؤثِّرة مباشرة في الملف الرئاسي في لبنان. هذه الدول تسْتَنِد إلى حيثية حقيقية تتمثل بقدرتها على النهوض بلبنان اقتصادياً من موقعها كدول صديقة ومانحة.

هذا ما حدث سابقاً في مؤتمرات Cèdre 1,2,3 في فرنسا، علماً أن هناك دول أخرى وكبرى لها حرية التدخل في هذا الشأن الرئاسي المُعقَّد مِثال روسيا وإيران وهما الآن لَيْسا بعيدين عن هذه الساحة.

تجدُر الإشارة الى أن الدول المانحة تشترطُ هذه المرة على لبنان القيام بجملة من الإصلاحات الجذرية والحقيقية وِفْقَ دفتر شروط مُعَدٍ للتنفيذ. البديهي أن المملكة العربية السعودية ودولة قطر هما الدولتان القادرتان على تقديم الدعم الفعلي للبنان في أي تسوية قادمة.

توهَّم الكثيرون في لبنان حول ما جرى من محادثات سياسية في باريس تطرَّقَت إلى الشأن الداخلي اللبناني في ملفها الرئاسي على أثر الاجتماعات الخماسية التي انعقدت أم الثنائية منها. ما تسرَّب عنها بقصد أو دونه، هو دفتر الشروط الذي يحمل في طياته ضمانات للمرشح الرئاسي يتعهَّدُ بتنفيذها لدى انتخابه رئيساً للبلاد.

كل هذا لم يرْقَ إلى قبول من يهمهم الأمر، بالرغم من آخر تصريح دبلوماسي خجول للخارجية الفرنسية بعد أن حسمت فرنسا أمرها أن ليس لديها أي مرشح للرئاسة في لبنان تؤيده أو تُزَكِّيه، وهي تترك الخيار الحر إلى نواب المجلس في أخذ مثل هذا القرار الوطني المصيري. بَيْدَ أنَّ خطواتها الميدانية لا تنسجم مع الموقف الذي أعلنته الخارجية الفرنسية، بل على العكس تبذل فرنسا جهداً معلوماً لتسويق الوزير السابق فرنجية خدمة لمصالحها في مكان ما.

بعيداً عن جميع الأسماء المتداولة في الإعلام ما يحتاجه لبنان هو: رئيس لكل اللبنانيين دون تمييز يجمع ولا يفرق ، يساهم في إعادة انتظام عمل المؤسسات في البلد كخطوة أساسية على طريق الإنقاذ، رئيس تاريخه السياسي ناصع البياض لم يشترك في يوم من الأيام في لعبة أَدَارتْها المنظومة السياسية القائمة، رئيس عنده خطة رشيدة تُنقذ البلاد وترأف بالعباد، لديه القدرة لوضع لبنان على سكة المسار الصحيح بين أشقائه العرب، متمايزاً بين الدول الكبرى ذات القرار، لا ينتمي إلى محور سياسي ولا يكون رهينة من أوصله إلى سدة الرئاسة، همه الأول إنقاذ لبنان من السقوط الأخير وإعادة توازنه الطبيعي، مبشِّراً بالألفة والمحبة بين المواطنين، رئيس يزيل عن لبنان عِبْءَ النازحين السوريين ويعيدهم بعزة وكرامة إلى وطنهم سالمين، رئيس يطبِّق ما نصَّ عليه الدستور اللبناني، منسجماً مع جميع القرارات الدولية الصادرة عن مؤسساتها الرسمية في كل من مجلس الأمن والأمم المتحدة كون لبنان من مؤسسي هذه المنظمة العالمية، رئيس يعيد للوطن هيبته، يرجع السيادة لأمن حدوده محتفظاً بثرواته لشعبه، يعالج بحكمة لعبة الدولار ويقطع رأس الجشع والاحتكار، رئيس يوقف الهدر والسرقات، يواكب الإصلاح ويلاحق الفساد بإنعاش استقلالية القضاء وصون الحريات حتى يرجع للمواطن حقوقه الطبيعية بموارده الأصلية من ماء وكهرباء واستشفاء وخدمات دون مِنَّة من أحد، رئيس يعمل لإعادة الأموال المنهوبة والمسلوبة من خزائن المصارف ومصرف لبنان، رئيس يواكب العصر ينال ثقة الدول الكبرى وأهمها المانحة ليرفرف علم لبنان بحرية في سمائه الزرقاء.

يبدو أن الموقف السياسي الفرنسي ما زال مؤيِّداً لمرشح الممانعة الوحيد علماً أنه يخالف إجماع القوى الكبرى المسيحية في الداخل السياسي اللبناني. هذا التموضع السياسي له دلالة واضحة يعيدنا بالذكريات إلى فشل الرئيس ماكرون الذريع بعد انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب 2020 الذي سبَّبَ آلاماً للشعب اللبناني بأسره. لم تنجح رحلات الرئيس الفرنسي المكوكية للعاصمة بيروت واجتماعاته المباشرة مع حزب الممانعة لحل أزمة لبنان الحكومية. الجدير بالذكر عدم قدرته آنذاك على مَدْ يَد المساعدة في كشف معالم جريمة العصر التي هزَّت المنطقة بأسرها على بحر المتوسط.

من خلال هذه الحقائق لا بد أن يتساءل المواطن اللبناني لماذا هذا الإصرار من الجانب الفرنسي؟ إما أن نأتي بمرشح فريق الممانعة أو أن نواجه شبح الفراغ الرئاسي، كما أُعلن دون تردد ذاك الفريق. كأننا نُعيد عجلة التاريخ إلى الوراء حين تمَّ انتخاب الجنرال عون فأوصلنا إلى قعر جهنَّم كما قالها للإعلام مُبشِّرا يومذاك من قصر بعبدا.

بالمُحصِّلة وبعيداً عن لعبة الأسماء وما وراءها من خفايا يحيكها مُمْسكي خيوط اللعبة السياسية في لبنان فإن صفات الرئيس العتيد التي ذكرت آنفاً قد تكون مخرجاً رئيسياً وحلَّا عملياً للأزمة الرئاسية. فعلى أُوْلي الأمر من النواب الـ 128 الإسراع إلى انتخاب الرئيس الذي يحمل هذه الصفات.

لِيَحْزِمَ نواب المجلس أمرهم ويسارعوا في إنجاح لعبة البرلمان الديمقراطية التي ينص عليها الدستور اللبناني وذلك بانتخاب رئيس وليس بالتلاعب والتذاكِ في تفسير الدستور وفقراته كما تراها المنظومة الحاكمة في لبنان. يحتاج هذا الأمر إلى صفاء النيَّات من قبل مالكي القرار بفتح أبواب المجلس النيابي كما نصَّ عليه الدستور “المجلس سيد نفسه”. فعلى دولة الرئيس برّي تحديد جلسة انتخابية فتبدأ لعبة التصويت الحرّ من جديد مُشرَّعة الأبواب حتى الانتهاء بانتخاب رئيس للجمهورية. هذه الكلمات أشبه بالأحلام وتحتاج إلى عزيمة قادرة سيذكرها التاريخ في المستقبل وهي تبدأ بموعد يوم مُعيَّن وساعة انطلاق ويُفتح باب الحرية من جديد في لبنان. هذا ما نرجوه لكن الواقع يقول العكس فإن انتخاب رئيس الجمهورية في لبنان هو قرار خارجي بامتياز. عاش لبنان حراً سيداً مستقلاً

الكاتب: المهندس شفيق مَلَكْ


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal