حياد لبنان.. خيار استراتيجي بين نقيضين (30 والأخيرة)… صبحي عبدالوهاب

تنشر ″سفير الشمال″ على حلقات كل يوم ثلاثاء دراسة حول طرح ″الحياد″ أعدها الباحث صبحي عبدالوهاب، وفيما يلي الحلقة الـ 30 والأخيرة..

إستأثر حزب الله ببندقية المقاومة فتغيرت “مكونات النضال” وإنقلبت رأسا على عقب أيديولوجياً، من وطنيين ماركسيين شيوعيين وقوميين إلى إسلاميين، بالإضافة إلى تغييرات طالت التكتيك العسكري وأساليب القتال، هذا عدا عن الإمكانات والأسلحة والتطور التكنولوجي العسكري وتبعها إنقلاب مماثل من “جمول” جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية التي ولدت في 16 أيلول / سبتمبر من العام 1982 والتي أطلقها جورج حاوي ومحسن إبراهيم من العاصمة بيروت إبان الحصار الإسرائيلي التي لم يغلب عليها حينذاك أي طابع طائفي أو سياسي محدد، ولم تكن كذلك لا مشروعا مخططا له أو تنظيما مدعوما من دول كبرى ولا مسيّرة من أحد، فتجرأت الدكتورة منى فياض في مقال لها نشر على موقع “الحرة” الإلكتروني بتاريخ 19 تموز/ يوليو 2020 ونزعت عن حزب الله الحق بالإحتفاظ بسلاحه بعد الإنسحاب الإسرائيلي، إذ تحولت يرأيها وظيفة الحزب في الداخل إلى وضع اليد على لبنان لمصلحة دولة أجنبية فصادر “المقاومة” وحولها “إرهاباً” وأن تجربة “مقاومة حزب الله” أساءت لمفهوم المقاومة نفسه وربطته بالإرهاب، ما يسيء إلى نضالات حركات التحرر المحقة، وإن أي أمل للخروج من المأزق اللبناني، لن يتم إلا بالمطالبة بإعتراف دولي بحياد لبنان قانونيا، بمساعدة من الشرعية الدولية لملاقاة جهود البطريرك الماروني نيافة الكاردينال الراعي والفاتيكان، وإلى أن يتحقق ذلك لتُمارس سياسة التحييد بحسب ما جاء في إعلان بعبدا، بدلاً من أن يدخل الأمل المتعلق بالماضي البعيد والذي راود عضو المكتب السياسي لمنظمة العمل الشيوعي وعضو المكتب السياسي للمنظمة وأحد قادة الإتحاد الوطني لطلبة الجامعة اللبنانية في أوائل السبعينات من القرن الماضي حيث تعلم من تجربته في العمل السياسي العام أن “الأمل الآتي هو المقاومة الوطنية في جنوب لبنان لأن “العمل يأتيك عندما تقرر أن تكون بكيانك المستقل وأن تصمد وتقاوم”، هذه هي الإشارات التي “أطرحها وما علينا إلا البلاغ المبين”، كان ذلك في حديث دخل غياب النسيان ولا زال محفوظا على صفحات “السفير” منذ تاريخ 27/9/ 1984 وبالرغم من كل ذلك، فان حزب الله لا يزال يتمسك وباصرار شديد على أن الطريق الى القدس تمر بحسب أمينه العام السيد حسن نصر الله في يوم القدس العالمي ” بالقلمون والزبداني والسويداء والحسكة” في سوريا، وإعتبر أنه “لا يمكن أن تكون مع فلسطين إلا إذا كنت مع إيران”، وأكد أن إيران هي “الأمل الوحيد المتبقي بعد الله” لإستعادة فلسطين”.

وما تجدر الإشارة اليه في هذا السياق أن إستخدام هذا المصطلح بحسب ما ورد على “موقع صيدا تي في” يعود إلى سبعينات القرن الماضي وما بعدها، حيث “مر طريق القدس” في كل معركة خيضت في المنطقة، فكان يمر ببغداد إبان الحرب الإيرانية ـ العراقية، بحسب تصريحات القادة الإيرانيين حينها، وبالعكس فقد مر من طهران بالنسبة الى صدام حسين، فيما عاد ومر من الكويت إبان غزو الكويت، أما أشهر إستخدام فقد كان للقيادي في حركة فتح صلاح خلف (أبو إياد) الذي أطلق شعار “الطريق الى فلسطين تمر من جونية وعينطورة وعيون السيمان”، وذلك خلال الحرب اللبنانية التي كانت فيها الفصائل الفلسطينية طرفاً أساسياً في النزاع بوجه الأحزاب المسيحية حينذاك، وقد إبتدع صلاح خلف تبريراً لهذا الشعار من خلال مقابلة أجرتها معه الصحفية في الماغازين اللبنانية الأسبوعية الناطقة باللغة الفرنسية مهى عريضة فروى لها في 3 أيلول / سبتمبر من العام 1977 وفي العدد رقم 1053 الصفحة 18 قائلا “أريد أن أتحدث للمرة الأولى حول الطريق الى فلسطين تمر بجونية وعينطورة وعيون السيمان، كان هذا حينما كنت ألقي خطاباً خلال مناسبة إحياء ذكرى ثلاثة شهداء لبنانيين سقطوا في عينطورة، حينها سمعت صريخ وبكاء وعويل لجمع من نساء مشاركات، فقطعت خطابي وتوجهت الى إحدى أمهات الشهداء الثلاثة مهدئاً من روعها ففوجئت بما قالته لي “لقد قبلت بموت ولدي على أساس موته على أرض فلسطين، فلماذا سقط وزملائه على أرض لبنان؟ ولكنني حتى أقدم لها العزاء أجبتها أننا لم نختار عينطورة لنقاتل ولكن بما أننا مستهدفون فإن النضال الفلسطيني يمر في كل الطرقات التي يتواجد فيها الأعداء حتى ولو كانت تلك الطريق تمر في جونيه وعينطورة وعيون السيمان، وبالمناسبة لم يكن ليتواجد أي إعلامي حينذاك فصدرت في اليوم التالي العناوين الرئيسية للصحف اللبنانية ويتصدر تصريحي صفحاتها الأولى، ولكن يوجد لغة للحرب وأخرى للسلام، ولكنني لا أستطيع أن أتحدث لغة السلام وبيدي غصن الزيتون في حين أن المقاتلين الشباب يموتون من أجل القضية، ومن جهة أخرى فلم أكن الوحيد الذي إستخدم اللغة المتشددة”. فتجلت الإنتهازية “الميكيافلية” في أبهى صورها في محطات أخرى من مفاصل السجال السياسي الذي عرفته الحرب اللبنانية، وحتى المرحلة الراهنة لا وجهة واضحة لطريق القدس، الذي لا يزال يمر بالعواصم والمدن العربية واحدة تلو الأخرى، بحسب المستجدات التي تشهدها المنطقة. وإذا ما وافقنا على كثرة الطرق التي باتت تؤدي إلى القدس، تبقى النتيجة أن أحداً لم يصل إليها حتى اليوم، فهل المشكلة في صعوبة “طريق القدس” أم في نية الوصول إليها؟ وفي كل محطة من محطات النزاعات بين اللبنانيين تستنفر العصبيات المتبادلة وتطفو على سطح تلك المنازعات كل المصطلحات العائدة لإيديولوجيات الصراع، وقد ظهر ذلك في الأمس القريب حينما قال رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد أنه “عندما نزل الناس إلى الشارع تحت شعار مكافحة الفساد في البلد، تواجد ناس في الزلقا وجل الديب وهم يرفعون شعار “حزب الله إرهابي” و “لا نريد إحتلالا إيرانيا في لبنان”، وأضاف “سأقول بصراحة.. أوّلًا إذا كان من إرهاب فهو ممن يطرحون هذا الشّعار، لأن كل تاريخهم مجازر وتهديد للسلم الأهلي وطعن له”، متسائلًا: “ما قصّة الإحتلال الإيراني؟ اين هو؟ من يرى عسكري إيراني في لبنان؟ لكن هؤلاء هم العنصريون المتصهينون في ساحتنا الداخلية، وهم مرتزقة الخارج، يتحدثون عن الإحتلال الإيراني وهم يقصدوننا، لأننا في مفهومهم نحن جالية إيرانية، أمّا هم “فهم فينيقيون” (طالعين من صدف الأرجوان)”. 

وأضاف: أيضا خلال لقاء سياسي أقامه حزب الله في بلدة الزرارية إن “هذا الحقد المتراكم، وهذه الضغينة وخيارهم السياسي الذي هو ضد مصلحة لبنان وسيادته هما خيار التآمر عليه”.

وبتنا نتلمس وفي نفس السياق الكشف عن هوية المقاومة لمعرفة عما إذا كانت “إسلامية” أو “وطنية” إذ غاب مطلح “الاسلامية” ليبرز مصطلح “المقاومة” على اطلاقه فيشير حسن فضل الله في الصفحة 129 من الفصل الخامس من مؤلفه “حزب الله والدولة في لبنان” الى ان “سنوات الجهد والتعب والصمود والتضحيات وسيل الدماء في مواجهة الغزو والحروب الإسرائيلية طوال ثمانية عشر عاما (1982- 2000) أثمرت تحقيق أحد أبرز أهداف المقاومة، وهو تحرير القسم الاكبر من الجنوب والبقاع الغربي، وازالة جيش الاحتلال وعملائه من البلدات والقرى التي بقيت إثنين وعشرين عاماً تحت الاحتلال ( 1978- 2000) فقدمت المقاومة “التحرير” كإنجاز لبناني لإستقلال تاريخي، يمكن التأسيس عليه لإعادة صياغة الأولويات الوطنية، بما فيها “الإسهام في بناء دولة حقيقية مستقلة ذات سيادة على أرضها وسمائها وبحرها” وذهبنا مع وضاح شرارة لنتحرى حقيقة ماهية هذه الدولة التي وصفها شرارة في وقت من الاوقات انها “دولة حزب الله – لبنان مجتمعا اسلاميا”.

وأمام إصرار سيد بكركي على التمسك بخيار الحياد، تبقى الإشكالية الكبرى تستند على التساؤل حول ما إذا كان حياد لبنان تجاه صراعات المنطقة يشكل بالفعل علاجا لأمراضه؟ وهو البلد المتميز بتناقضاته. فكيف نتجنب مع نجيب صالح معاودة الإضاءة على “كلمات هزت لبنان” لجورج نقاش Deux Nėgations ne font pas une Nation والخوض في هذه المرحلة بمسائل مصيرية يتقاذفها نقيضين لا يلتقيان على بناء وطن في كيان مصان ومعافى في زمن يطغى العقل القاتل على العقل الحر، فتفسد الأشياء وتتساقط خاصة وأن أهم كلمة في العالم كانت لا تساوي رصاصة.


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal