حياد لبنان.. خيار استراتيجي بين نقيضين (28)… صبحي عبدالوهاب

تنشر ″سفير الشمال″ على حلقات كل يوم ثلاثاء دراسة حول طرح ″الحياد″ أعدها الباحث صبحي عبدالوهاب،  وفيما يلي الحلقة الـ28 ..

يعلم حزب الله علم اليقين كما يقول الدكتور مصطفى الجوزو في مقالته “الحياد اللبناني بين المرجوّ والممكن” بتاريخ 30/4/2021 أنه لا يمكن تجاهل حقيقة أطروحة الحياد أو التعمية عليها لأن الدعوة الى الحياد كانت دائماً ذات لون طائفي، وكانت مصاحبة لمشاريع التقسيم، وكانت بعضها ينطلق من فكرة “التنكر للعروبة والتقرب إلى العدو الصهيوني”، والحياد “يرجعنا إلى الخلاف الإيديولوجي الجذري الذي نشأ منذ قيام دولة لبنان الكبير، وعبّر عنه بعدَ زمن ما وصفه الرئيس بشارة الخوري في مذكراته بالميثاق الوطني، وهو ميثاق لم ينص عليه الدستور ولا القوانين ولم تقره مؤسسة دستورية، فلا غرو أن ينفي الدكتور إدمون رباط معنى الميثاقية عنه، وأن يعده غير ملزِم ولكن إستقلال لبنان التام الناجز يجب أن يتم دون الإعتماد على حماية من الغرب، ولا التطلع إلى وحدة أو إتحاد مع الشرق”.

وتكاد هذه الصيغة تؤكد حقيقة معروفة هي أن بعض اللبنانيين ذوو ميول عروبية، وأن آخرين منهم ذوو ميول غربية معادية للعروبية، ولذلك جاءت عبارة «لبنان ذو وجه عربي» في بيان حكومة الصلح ضرباً من التسوية، وهي تسوية ألغاها دستور الطائف بإعلان «لبنان عربي الهوية والانتماء»، وألغى من ثَمّ كل ما ينسب إلى الميثاق الوطني المزعوم. وهذا التعارض بين ” التوجه العربي” و”التوجه الغربي” أفضى إلى مشاكل لم تنته ولما تنته، وقد تجلى ذلك في الأزمات الشِداد: أزمة 1958، وأزمة 1969، والحرب الأهلية، ومجزرة صبرا وشاتيلا، وأزمة 17 أيار1983، وإنشقاق الجيش اللبناني سنة 1984، والأزمة الوزارية في نهاية عهد أمين الجميل، ونشوء حكومتين. وأفضى هذا التباين الى حقيقة جعلت حكام لبنان وزعمائه وأتباعهم منقسمين انقساماً سياسياً حاداً، منافقاً بعضهم لبعض وعاملاً بعضهم على خداع بعض، وهو أمر قضى على معنى الانتماء الوطني، وصار كل فريق يستحل أموال الدولة ومرافقها، ويعتبر الفساد مزية ما دام يخدمه ويخدم بيئته. كيف لا وكثير من الزعماء المسيحيين لا يزالون منذ نشوء النظام اللبناني يعتقدون أن لبنان دولة أُعطيت لهم، وأن للمسلمين مندوحة عن لبنان في البلاد العربية الواسعة. وكثير من الزعماء المسلمين السنّة لا يزالون يحلمون بالوحدة العربية، ويشعرون بنوع من الإقصاء. وكثير من الزعماء المسلمين الشيعة يشعرون بالانتماء إلى إيران والعراق أكثر من انتمائهم إلى لبنان وسائر البلاد العربية. إن الانتماء إلى المنظومات الإقليمية والدولية راسخ في نفوس الزعماء اللبنانيين، وهو أقوى من العبارات البليغة، والابتسامات اللامعة، والإيقاع الصوتي الرخيم. والبلاغة والإبتسام ورخامة الصوت لا يمكن لها أن تخفي العقائد الراسخة.

ونرى في هذه المرحلة التاريخية الراهنة ومع الدكتور الجوزو أن حزب الله ومن خلال القوة التي إكتسبها كانت فلتة لن يتاح للدولة اللبنانية مثلها، حتى أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في أحد لقاءاته مع البطريرك الراعي نقل رسالة من حزب الله تؤكّد رفض الحزب أي تحييد للبنان وتعتبر أن مثل هذه الدعوات تصبّ في خدمة إسرائيل والسياسة الأميركية، كما أنّها جزء من الضغوط التي تمارس في الوقت الحاضر على لبنان، وكشفت مصادر سياسية لبنانية مقربة من الأجواء التي أحاطت بلقاء الراعي – عون، أن البطريرك الماروني أفاض في شرح الظروف الإقليمية والدولية القائمة حاليا والتي تنعكس سلبيا على لبنان لعدّة أسباب. وأوضح أن من بين هذه الأسباب التي تجعل لبنان عاجزا عن الحصول على أي مساعدات عربية ودولية الوضع السياسي اللبناني الذي يتحكّم فيه حزب الله.

وأشار البطريرك في هذا المجال إلى أنّ لبنان صار، بسبب حزب الله، محسوبا على المعسكر الإيراني، وهذا أمر لا يصبّ في مصلحته. وشدّد على أن لبنان ليس في وضع يسمح له بالدخول في مواجهة مع أصدقائه وحلفائه التقليديين الذين اعتادوا مساعدته. كما كشف مسؤول لبناني أن البطريرك الماروني سأل رئيس الجمهورية عن الحلول التي لديه من أجل توفير مساعدات للبنان في ظل المقاطعة العربية له من جهة والموقف الأميركي من حزب الله من جهة أخرى، فأوضح هذا المسؤول أن الراعي لم يحصل من عون على جواب واضح باستثناء أن على البطريرك التوقف في المرحلة الراهنة عن استفزاز حزب الله.


Related Posts


 

Post Author: SafirAlChamal