ليس تفصيلاً بسيطاً أبداً أن تبقى مدينة كطرابلس تحتل موقع عاصمة الشمال وتعدّ العاصمة الثانية للبلاد، لمدة تزيد على شهر تقريباً بلا كهرباء، بعدما انقطع التيّار الكهربائي نهائياً عنها تحت حجّة أنّ معملي إنتاج الكهرباء الرئيسيين في البلاد، دير عمار والزهراني، متوقفين عن العمل بسبب نفاد مخزونهما من الفيول.
وليس تفصيلاً بسيطاً أيضاً أن تصبح طرابلس وجوارها مهدّدة بالعطش، وأن يصبح قرابة 700 ألف مواطن يقيمون في المدينة وجوارها بلا مياه، وأن تجفّ أنابيب وصنابير المياه في المدينة، لأنّ محطات الإنتاج والضخّ والمعالجة في مصلحة مياه طرابلس قد توقفت عن العمل بسبب إنقطاع الكهرباء عن المحطات، ونفاد مخزونها من المازوت الذي أوقف مولّداتها عن العمل.
وأيضاً ليس تفصيلاً بسيطاً أن تنتج معامل الكهرباء التي تعمل على الماء (الكهرومائية) كميات معينة من التيّار من غير أن تنال طرابلس حصتها من ساعات التغذية، وكأنّ هذه المدينة ليست من لبنان، ولا مؤسّسات ولا دوائر ولا أسواق ولا بشر فيها.
قبل أيّام قليلة أُعلن أنّ معمل كهرباء مياه نهر الليطاني ينتج 80 ميغاوات يومياً، وأنّ هذه الكمية من ساعات التغذية جرى توزيعها لتغطي أغلب مضخّات ومحطات المياه في لبنان، بالإضافة إلى مطار بيروت الدولي وغيره من الأماكن الحيوية في لبنان، لكن اللافت أنّه لم يأتِ أحدٌ على ذكر طرابلس، وامتدادها في مناطق المنية والضنّية وعكّار، التي يبدو للأسف أنّها قد أُسقطت من حسابات الجميع، بينما محطة إنتاج المياه فيها، التي تغذي المدينة والجوار بالمياه، بحاجة إلى ميغاوات كهرباء واحد لتعمل بشكل منتظم وتضخّ المياه للمدينة، لكن للأسف لم يتم تأمينه لها.
وليس تفصيلاً بسيطاً كذلك أن تُهمل نشاطاتها ومهرجاناتها السياحية والثقافية والفنية، مثل مهرجان الميناء البحري الأوّل في محمية جزر النخل وهي المحمية البحرية الوحيدة في لبنان، ونشاطات الرابطة الثقافية ومركز العزم الثقافي وسواهما، وتغيب عنهما أيّ رعاية رسمية أو أيّ حملات دعائية أو تمويلية، وإذا حضرت فإنها تكون خجولة جدّاً، على عكس بقية المناطق الأخرى التي تشهد إهتماماً ورعاية من أطراف عديدة، ما يرسّخ للأسف فكرة وجود أبناء ستّ وأبناء جارية في هذا البلد.
وليس تفصيلاً بسيطاً هو الآخر عندما تغيب مختلف النشاطات في طرابلس وجوارها، وكذلك المشاكل الإجتماعية والإقتصادية والتربوية والصحية التي تعاني منها بقوة، عن أغلب وسائل الإعلام المحلية، وإذا حضرت فإنّما تحضر بخجل وتكون على الهامش، ولا تتصدر المدينة عناوين وسائل الإعلام على اختلافها إلّا عند حصول توتر أمني فيها، عندها يسارع الإعلام إلى المدينة لتشويه صورتها، وتضخيم ما يجري فيها.
طرابلس ليست تفصيلاً بسيطاً ولا هامشياً في هذا البلد، ولا يجب أن تكون.
Related Posts