من يضع حدّاً لقوارب الموت؟… عبد الكافي الصمد

لم تندمل بعد جراح قارب الموت الذي غرق قبالة شاطىء طرابلس بالقرب من محمية جزر النخل، في 23 نيسان الماضي، حتى صُدم الطرابلسيون والشماليون في منطقتي المنية وعكّار إلى جانب نازحين سوريين ولاجئين فلسطينيين بغرق قارب غير شرعي، بعد عصر أمس، أمام شاطىء مدينة طرطوس السّورية بالقرب من جزيرة أرواد، وكأنّه كُتب على سكّان هذه المناطق أن لا يستفيقوا من صدمة حتى يقعوا في صدمة أخرى.

فأهالي قارب الموت السّابق الذين ما يزالون يلعقون جراحهم ويعضّون على أوجاعهم التي أثقلتهم وكسرت ظهورهم لفقدهم أقربائهم وأحبابهم، سواء الذين انتشلوا جثثاً أو الذين بقوا في قاع البحر بعد العجز عن انتشال جثثهم مع القارب الغريق، أضيف إليهم أمس أشخاص جدد إنضموا إليهم، لتتسع دائرة الحزن والأسى على فقدان أقارب وأعزاء آخرين.

وفي ضوء المعلومات الأولية المتوافرة يتوقع أن تكون كارثة قارب الموت في طرطوس أكبر من كارثة قارب الموت في طرابلس، إذ أفادت معلومات أنّ من كانوا على متن قارب مدينة طرطوس لا يقلّون عن 55 شخصاً، برغم أنّ معلومات أخرى رفعت العدد إلى 170 شخصاً، وهو رقم في حال التأكد منه، فإنّ كارثة من العيار الثقيل ستكون حلّت بعشرات العائلات في طرابلس وجوارها في المنية وعكّار، إلى جانب فلسطينيين وسوريين، وهي عائلات ستجد نفسها في نهاية المطاف قد خسرت واحداً من أفرادها، أو أنّ عائلات بأكملها قد طواها البحر نهائياً.

وبانتظار أن يسفر ضوء النّهار وهدوء أمواج البحر وانتهاء عمليات البحث عن المفقودين وانتشال الجثث عن الحصيلة النهائية للكارثة الجديدة، فإنّ أسئلة كثيرة جدّاً تُطرح في هذا الإطار تحتاج إلى أجوبة واضحة وسريعة عنها، من أبرزها:

اولا: لماذا يقتصر عمل قوارب الهجرة غير الشّرعية على مناطق طرابلس والمنية والضنّية وعكّار دون سواها من بقية المناطق اللبنانية الأخرى، وهل أنّ الفقر المدقع الذي يعيشه سكّان هذه المناطق إلى جانب التهميش والحرمان والوضع الإجتماعي ـ الإقتصادي المزري يُعدّ من الأسباب الرئيسية لذلك، وهي معاناة مشتركة مع نازحين سوريين وفلسطينيين؟

ثانياً: لماذا لم يتم ضبط الشّاطىء في هذه المناطق حتى اليوم، برغم أنّ السّنوات الأخيرة ومنذ بدء الأزمة الإقتصادية والمالية قبل زهاء أربع سنوات، تشهد بشكل يومي ومضطرد تزايداً في حركة قوارب الهجرة غير الشّرعية، وتزايد حوادث الغرق والموت، فهل ثمّة تقصيراً في هذا المجال من قبل السّلطات اللبنانية والقوات البحرية التابعة لليونيفيل التي تراقب الشاطىء اللبناني على مدار الساعة، أم أن اتساع رقعة الهجرة غير الشّرعية يجعل السّلطات عاجزة عن ضبطها وإيقافها؟

ثالثاً: تتحدث تقارير عن أموال كبيرة تدفع للمهربين الذي يستغلون الوضع البائس لمن يريدون الخروج من لبنان بحثاً عن مستقبل أفضل لهم ولعائلاتهم، ما يعني بأنّ الإتجار بالبشر أضحى تجارة رابحة، لكنّ ذلك في المقابل أساء إلى سمعة لبنان كونه أصبح بلداً لم يعد أبناؤه يطيقون العيش فيه، وأنّه تحوّل إلى بلد فاشل لا سلطة فيه تستطيع ضبط الموت المجاني لمهمّشين وفقراء وغرقى في قاع البحر.


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal