جبران باسيل واتفاقية مار مخايل!… بقلم: شفيق ملك

انقسام الساحة اللبنانية الحاد حول صلاحيات الحكومة المستقيلة ما بين مؤيد ومعارض، وتفسير مواد الدستور اللبناني في تطبيق مادة رقم “62” صفحة 45 والتي تنص:

“في حال خُلو سدة الرئاسة لاي علَّة كانت، تُناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالةً بمجلس الوزراء” انتهى النص. والمادة لم تحدد مجلس الوزراء كامل الصلاحيات أو غيره. 

هذا الانقسام الحاد في التفسير القانوني لهذه المادة، عطَّل مجرى الحياة السياسية في لبنان. كشف عن حالة خلل، مُرتهن بإيجاد مسار قانوني له وإجرائي لتسيير شؤون الناس مع إضافة سَنْ القوانين المرعية والتطبيقية لها أصولاً.

بالرغم مما يدور وراء الكواليس السياسية حول صلاحية حكومة رئيس الوزراء المستقيلة، وعدم شرعيتها في الانعقاد الدوري وإصدار المراسيم الحكومية، في ظل غياب رئيس منتخب للدولة، فراغ كان مسمى ام شُغورا رئاسيا، اثبت دولة الرئيس المستقيلة حكومته على قدرة في الأداء، المناورة والسعي لرعاية مصالح الشعب اللبناني عند كل قمة تنعقد، متابعاً لكل حدث ذو صلة ومحاولاً مدَّ يدِ المساعدة لإيجاد حل للازمة اللبنانية، أقلَّهُ ضخ الاوكسجين لإنعاش نصف شعب لبنان على أبواب الاستشفاء، والمرهون في حياته اليومية.

المشهد العام تراهُ واضحاً في تمثيل الرئيس نجيب ميقاتي لبنان في قمم الرياض الثلاث، بدعوة خاصة موجهة له من الملك سلمان بن عبدالعزيز، حيث التقى على هامشها ولي العهد الامير محمد بن سلمان.

ألا يسترعي هذا انتباهاً مميزاً لهذه الرسائل السياسية المتعددة المعاني، والمتعددة الاتجاهات في هذه الأجواء السياسية المتغيرة في لبنان.

بانتهاء ولاية الرئيس ميشال عون وما تلاها من احداث سياسية مباشرة أصبح جبران باسيل مأزوماً يصارع المجهول. لجأ الى طرق ملتوية في تعاطي الأمور السياسية أبرزها من سيأتي خلفاً في سدة الرئاسة بعد عمه الجنرال.

شارك جبران في الحلقات المتكررة في المجلس النيابي وكان مساهماً رئيسياً في المشهد العام. استدار 180 درجة في الجلسة الانتخابية رقم 9 ورقم 10 برسم عنوان جديد بتوزيع أصوات نواب التيار الوطني الحر على المرشحين أصحاب “الورقة البيضاء” والمرشح “ميشال معوض” لتُقرأ النتيجة بالتساوي 39/39 ثم 37/38 لكلٍ من المتنافسين.

كل هذه رسائل موجهة الى حزب بعناوين مختلفة المعاني السياسية، خرج جبران باسيل كلياُ بخِفة عن المألوف من فريقه الممانع وأعلن من المجلس النيابي في دورته الانتخابية رقم 9 و 10 “أنا من يقرر اسم الرئيس المرشح”.

بالتحليل السياسي، المرشح الأول والمفضل لفريق الممانعة والحزب، رغماً عن عدم تسميته حتى الآن، هو الوزير السابق سليمان فرنجية وحظوظه عالية جداً عند فريقه السياسي. المرشح الثاني هو جبران نفسه، لكن حظوظه قليلة جداً. المرشح الثالث هو من يطمح إليه جبران باسيل الآن ليساوم عليه ويُسوِّقه كمرشح بديل لفريق الممانعة. من هو هذا المرشح البديل؟

الورقة البيضاء هي أيضاً رسالة مشفرة تحمل في طياتها بصمة ظاهرة لجبران باسيل. انه النفاق السياسي، انما بصورة مختلفة ليحقق من خلاله ما يخسره في معركته السياسية أمام خصمه الانتخابي سليمان فرنجية غير المعلن حتى الآن.

انتهت جميع معاركه السياسية الى طريق مسدود.

انتفض جبران وتمرَّد على كل من يدور في فلكه السياسي، المقربين منه والذين اعطوه ما لم يعطه أحد على مدى ستة أعوام متتالية لحكم الجنرال.

جبران باسيل في مؤتمره الصحفي الأخير وما قبل الأخير، تهجم على الحزب بشدة بدون تسميته. أخطأ بتسرعه ثم تراجعه امام رد الحزب فخسر من موقعه السياسي المعلن واثبت مرة أخرى ضعفه. ليثبت من جديد ان لا فراق بينهما، وأنَّ اتفاقية مار مخايل لا تزال سارية المفعول، ومستمرة حتى حين. 

هذه هي سياسة جبران لا وضوح فيها ولا افق لها.

إن الاتفاقية تشمل عدداً كبيراً من التفاهمات السياسية، حاول كلا الطرفين الحفاظ على استمرار مفعولها والاستفادة المتبادلة فيما بينهما في شتى الظروف المتضاربة. ويستمر التفاهم على اتفاقية مار مخايل وبنودها جميعاً.

التيار الوطني الحر أمَّنَ غطاءً مسيحياً على مستوى الوطن بما لديه الآن حوالي 18 الى 20 نائباً في المجلس النيابي. هذا الغطاء المسيحي منح الحزب خط سير عريض في الداخل والخارج بدون مسائلة خلال حقبة طويلة من الزمن امرّها وأقساها في الزمن المعاصر في تاريخ لبنان. ست سنوات من الحكم الرئاسي لعون كان جبران الرئيس الظل في قصر بعبدا، وكان المستفيد الأول في أروقة القصر، يجول ويصول دون حسيب او رقيب.

مُنِحَ التيار العوني كل الحرية والصلاحيات في اختيار جميع وزرائه في الحكومة، منفرداً بالحقائب الوزارية التي يريدها، تحديداً الطاقة، الخارجية، الاقتصاد، العدلية وغيرها. شرع جبران في توظيف الكوادر البشرية في الوزارات المعنية وبسط نفوذه بداخلها. بالمقابل، امسك الحزب السيطرة الكاملة على الحدود اللبنانية والمعابر غير الشرعية، بإدخال الأسلحة القادمة من إيران عبر الحدود العراقية والسورية لإيصالها الى الداخل اللبناني. أتاح أيضاً عمليات التهريب من وإلى خارج لبنان.

لم يتأخر الحزب بتغطية التيار العوني في أدائه وفشله في جميع مرافق الدولة، أهمها الطاقة بجميع مكوناتها أبرزها الكهرباء وبساعة واحدة انتاج كهرباء لليوم الواحد والسدود المائية الفارغة اشبه بصحراء قاحلة. سقط شعار التيار “الإصلاح والتغيير” من برجه العاجي واغلق ملف محاسبة الفاسدين في الدولة برفع شعار اخر “ما خلّونا”.

في المحصلة استفاد الحزب بتغطية التيار العوني المسيحي له في خروجه الى الإقليم ومشاركته في حروب الآخرين في سوريا، العراق واليمن. بهذا معلناً قوة السلاح والعديد من الرجال المقاتلين، وانه قوة كبرى في الإقليم.

هكذا فقد لبنان مصداقيته الإقليمية في دول الجوار العربية والدولية وتوقفت المساعدات بالدخول الى لبنان وترك وحيداً يصارع أزمته الخانقة.

اما في القضاء عماد الدولة لتسيير أمور الناس، تعاون الفريقان، التيار العوني والحزب بالتبادل في تعطيل القضاء فترات طويلة حتى تاريخه وتوقف التحقيق في انفجار مرفأ بيروت منذ عامين وطُعنت العدالة تحت قوس المحكمة.

أي حديث يا جبران تريد ان تتباهى به وتنقض تفاهم مار مخايل؟ هل بالاعلام فقط؟

عجباً كل هذه المؤتمرات والتصاريح، كفى لعباً وضحكاً على الشعب اللبناني المرهون والاسير باتفاقيتكم.

عاش لبنان حراً سيداً مستقلاً

الكاتب: المهندس شفيق ملك


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal