عام على حرب أوكرانيا.. ولبنان مازال في عين العاصفة… شفيق ملك

في مثل هذا اليوم بدأت روسيا غزواً عسكرياً واسعاً لأوكرانيا بوضوح دون مواربة.
قامت بهجمات عسكرية أدَّت إلى مقتل وإصابة مدنيِيِن، ألحَقت أضراراً جسيمة بعددٍ كبير من المباني التي شملت المستشفيات، التجمعات الصناعية، المباني الحكومية المركزية والبنى التحتية على الأراضي الأوكرانية.
من المؤكد أنه قبل اندلاع هذه الحرب كانت هناك مؤشرات وعمليات استباقية يعودُ تاريخها إلى عام 2021. بدأ الصراع العسكري حينها بحشد قوات مقاتلة كبيرة على الحدود الأوكرانية المتاخمة من قبل روسيا، بعد مرور ثمانِ سنوات من احتلال شبه جزيرة القرم غير الشرعي والمتنازع عليها بين روسيا وأوكرانيا. علماً أنَّ أوكرانيا سبقَ أن إنفصلت عن الاتحاد السوفياتي عام 1991 وأعلنت استقلالها من جانب واحد. أصبح شهر مارس عام 2014 الذي اعتبرته أوكرانيا ومعها المجتمع الدولي احتلالاً عسكرياً وتعدِّياً على سيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها. أُعتِبُرَ آنذاك هذا التاريخ هو بداية اشتعال فتيل النزاع القائم بين روسيا وأوكرانيا.
السبب الرئيسي لاندلاع الحرب بينهما هو مجرد فكرة انضمام أوكرانيا المحتمل إلى حلف الناتو (NATO) وذلك بهدف توسع الحلف بشكل عام ليُهَدِّد أمن روسيا القومي المباشر إن حَصل.
أي بطول حدودها الشرقية 891 كيلومترا المتاخمة لأوكرانيا، بمرور عام على بدءِ شرارة الحرب الأولى في أوكرانيا رأى حينها كثيرون من المحللين السياسيين أنَّ الحرب لن تستمر سوى لبضعة أسابيع مستندين إلى فائض القوة لدى روسيا وتصميمها آنذاك على إنهائها بسرعة خاطفة لما قد سَبَقَها من تحضيرات عسكرية ضخمة وواسعة. لكن الأمور سارت على عكسِ هوى جنرالات الحرب عند الرئيس بوتين فَكَيْفَ نُفسِّر هذا ولماذا الحرب مستمرة دون توقف؟ لمعرفة كل هذه التفاصيل يجب الوقوف عند إحداثيات الجيودسية، الجغرافية والسياسية مروراً على ثرواتها الطبيعية الهائلة التي تمتلِكُها هذه الدولة المُميَّزة.
أوكرانيا تَقَعُ في شرق أوروبا تحِدُّها روسيا شرقاً، بيلا روسيا شمالاً، بولندا وسلوفاكيا والمجر غرباً، رومانيا ومولدوفا في الجنوب الغربي، بحر الأسود وبحر أزوف إلى الجنوب. وتَقعُ على رقعة أرض مساحتُها الجغرافية تزيدُ عن 600,000 كم2 وعدد سكانها أكثر من 40 مليون نسمة.
تُعَدُّ أوكرانيا من الدول الهامة في تصدير القمح وتُقَدَّرُ بحجم 25 مليون طنا.
وتُعَدُّ ثاني دولة عالمياً من حيث احتياطات الحديد، السابعة عالمياً بمادة الفحم، تُعَدُّ من أغنى الدول لخام المنجنيز، الغاز الطبيعي، النفط والملح.
يَعْتَمَد اقتصاد أوكرانيا بشكلٍ كبير على قطاع إنتاج وتصدير المواد الخام والآليات، رائدة في تصدير الحبوب، اللحوم، الزيوت ومشتقات الألبان.
تُعَدُّ الأولى في أوروبا من حيث مساحة الأراضي الصالحة للزراعة، الأولى عالمياً في صادرات زيت دوار الشمس، إلى جانب صناعة سفن الطائرات السيارات وصناعة مواد البناء.
فور اندلاع الحرب على أوكرانيا اكتشف العالم حينها حقيقة ما تصدَّره فعليا هذه الدولة من مواد خام ومواد غذائية أساسية وأنها أشبه بمثابة خزَّان حيوي وشريان رئيسي يُغذِّي دول المنطقة بكاملها. الحرب الأوكرانية أشبه برياحٍ مَوْسَمية شديدة مُتَقَلِّبة هَبَّت دون إنذار في ظروف غير ملائمة والعالم بأسره تَتَخَبَّطُهُ مشاكل عديدة ولا يحتاج إلى مزيد من المآسي، لما أصابه من ركود مالي، اقتصادي وما أنتجتهُ أيضاً الجائحة كوفيد 19 منذ تاريخ مارس 2019، القادمة من بلاد الحرير. في هذه المرحلة المتقدِّمة من الحرب الروسية الأوكرانية والتي أصابت شرارتُها النادي الدولي بأسرِهِ دون تفرقة شرقاً وغرباً بما فيها منطقة الشرق الأوسط.
إنغماس روسيا كلِّياً في آتون هذه الحرب حتى يخرج قياصِرتها منتصرين وذلك بعد إطلاق الرئيس بوتين شروطه التعجيزية الأخيرة:
أولاً: الاعتراف بالقرم كأرض روسية
ثانياً: إعلان حياد كييف
ثالثاً: نزع سلاح الدولة الأوكرانية
رابعاً: تَخَلِّي الحكومة الأوكرانية عن نازِيَتِها.
شروط قاسية على كييف وشعبها مما يؤخِّر توقُّف حرارة المعارك في الساحة الأوكرانية وإبعاد رياح التغيير للجلوس على طاولة المفاوضات ووضع اللمسات الأولى لإنهاء رحى القتال ووضع أُسُسْ فكِّ الاشتباك.
إيران المأزومة سياسياً، اقتصادياً ومعيشياً في الداخل الإيراني وما يشهده من اضطرابات شعبية مُمْتَدَّة لخمسة أشهر دون توقف وبدون حلول مَرجوَّة.
قَسْراً إنضمَّت إيران إلى ساحة القتال المفتوحة في أوكرانيا تطبيقا لقاعدة الهروب إلى الأمام. إنما هذه المرة بتسليح الروس مباشرة بالطائرات المسيَّرة الحربية والتي أعْطَت نتائج مثيرة في قلب المعركة.
وكأنَّ المسيَّرات كانت رسالة بالقلم العريض لدول اتحاد أوروبا وأمريكا خاصة، أنتم تُسَلِّحون ونحن كذلك. لم يَكْتفِ الغرب والاتحاد الأوروبي بالمساعدات المالية وإجراء التسليح العسكري المباشر التي قدمها إلى كييف فقد قام الرئيس جو بايدن بخطوة متقدمة وعلى القطار السريع من بولندا المتاخمة برّاً لأوكرانيا ليَلْتقي بالرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي علناً ويُطلِق من قلب المعركة تصاريحَه النارية بالوقوف إلى جانب كييف.
رافقَ رحلة الرئيس بايدن قبل مغادرته وارسو إخبار موسكو بالزيارة المفاجئة إلى كييف عاصمة أوكرانيا. إن زيارة بايدن لوارسو وكييف لهما دلالات مُهِمَّة ومؤشرات قوية في دعم بولندا أولاً والوقوف إلى جانب كييف في حربها مع الروس حتى النصر ومؤكَّداً أن الرهان الروسي على انقسام الناتو قد فشل. مروراً بمؤتمر ميونخ للأمن الدولي الغائبة عنه روسيا والحاضرة الاسمية في جميع المناقشات. جاء المؤتمر بالإجماع لتسليح أوكرانيا في حين ظلَّت الصين بالرغم من المشاكل الكثيرة التي تحملها في جُعبتِها بما فيها المنطاد الذي أُسقِطَ فوق أراضي الولايات المتحدة من قريب، ظَلَّت الصين متماسكة تترقَّب الأمور بحذر وأن لا بديلا من خطة ما للسلام بشأن الحرب القائمة. خطة يتفق عليها جميع الأطراف وهي مستعدة لتَتَبَنَّى خطة متكاملة في هذا الشأن وترعاها.
في ظل هذه الأجواء السياسية الدولية والإقليمية المتلبِّدة وما يشهده المسرح اللبناني القائم في البلد ولا يُرى في الأفق القريب من حلٍّ للأزمات اللبنانية الاقتصادية بدءاً بالدولار الأمريكي الذي أصبح دون سقف. مشكلة الكهرباء تبقى على ما هي دون حلّ كما بَيَّنَهُ أخيراً وزير الطاقة.
فرصة انتخاب رئيس الجمهورية ما زالت بعيدة المنال بعد مرور أربعة أشهر من الاستحقاق الرئاسي. مجلس النواب على حاله مُنقسم ومُشَتَّت القوى دون رجاءٍ في إنجاز أي خطة ما للوصول إلى حلٍّ قريب. في الإصلاح الإداري، السياسي والاقتصادي لا وجود لخطوة واحدة مُتقدِّمة حتى تَتَمَكَّن الدول المعنية ذات الشأن في الملف اللبناني مروراً بالاجتماع الخماسي الذي عُقِدَ في باريس وخرج بدون نتيجة معلناً إبقاء جلسته مفتوحة.
خلاصة القول، إنَّ الدول التي لها شأن مباشر في لبنان واهتمام خاص في إخراجه من أزمته الراهنة منكبُّون جميعاً في أرْوِقَة المؤتمرات وحلٍّ للنزاعات الداخلية فيما بينهم والحروب القائمة، إذ أن الأوْلَويَّة لدى جميع الفرقاء في مكان آخر. وهذا المكان الآخر بعيد المنال عن أرض لبنان. حتى الصين القُطُب المتماسك القوي ما زالت تمارس سياسة ضرورة فيها كثير من الحسابات الاقتصادية. إن إصرار بعض الأطراف السياسية في لبنان على الدخول في لعبة المحاور يجعل تداعيات حرب أوكرانيا تَطالَهُ في الصميم أي لبنان وتُبْقيه في “عين العاصفة”. جُلَّ ما أنْتَجَتْهُ حرب أوكرانيا في لبنان أنَّها سارعت فعلاً في إتمام صفقة الشرق الأوسط أعني الترسيم البحري بين لبنان والعدوّ الإسرائيلي (أرض فلسطين المحتلة) بمفاوضات غير مباشرة ورعاية أمريكية. ترسيم بحري “فقط” دون ترسيم بري وهذا لا يَحدث أبداً بين دولتين متجاورتين إلا في لبنان. إضافة إلى أن هذا الترسيم البحري أطفى هدوءاً آمناً واستقراراً طويل الأمد عند الحدود البرية الجنوبية في لبنان.
عبثاً نوجه نداءنا إلى الساسة في لبنان بأن يأتوا بحلول مناسبة وتَنْفَرِج الأزمة السياسية اللبنانية ويُصار إلى انتخاب رئيس للدولة في جلسة قادمة في المجلس النيابي.
عاش لبنان حراً سيداً مستقلاً

الكاتب: المهندس شفيق ملك


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal