لبنان الوطن الصامد، امام كل رياح التغيير العاصفة، الخارجية منها والداخلية. متمسك بفكره السيادي، بعيدا عن الارتهان من خارج الحدود. كل حدوده. جنوبه وشماله، شرقه وغربه.
موطن الحرية، وموئل دائم لها. مترسخ بانتمائه العربي وكيانه المستقل منذ عهد الاستقلال. بعيدا عن تموضع المحاور الاقليمية والدولية.
هذا هو لبنان الأرز الشامخ الذي نريده امام كل هذه التحديات والتغيرات التي تجري خارجه. اكثرها فتكا بنظامه ما يجري في الداخل منذ سنين. اذ تملي بعض الدول الاملاءت السياسية، على من هم في الداخل اللبناني، من الساسة الفاسدين، بارتهان وتعطيل كافة مفاصل الدولة والبنية السياسية، لتكون ورقة رابحة تخدم مصالحهم الدولية.
نعم المونديال في قطر، في احلى حللها، تسير بخطى ثابتة برزت منذ انطلاقها واعطت نموذجا رائعا بين كبار نوادي الدول العالمية. صورة جميلة استعملت في ملاعبها اعلى درجات التكنولوجيا الحديثة المتطورة في كل ابعادها.
دولة عربية ذات جذور وسيادة تتغنى بها وتقاتل لاجلها. دولة لا تتعدى مساحتها “11571 كم2″، وتعداد سكانها لا يتجاوز ثلاثة ملايين نسمة.
اثبتت دولة قطر للعالم بأسره، دون تشكيك، نجاح الفكرة وقبلت التحدي. أصبح الحلم واقعا، وتلاؤم المناخ أصبح حقيقة. فجرى التنفيذ على ارض مستقرة، ببنية تحتية تخطت الحواجز. حاول الكثيرون على مستوى الافراد والدول تشويه صورتها الجميلة للفن المعماري والبنية التحتية لتجاوزها الأرقام القياسية والمستوى النموذجي للمواصفات نظرا لقيمة الثروة المالية التي صرفت لأجل البناء وتحقيق المشروع.
في هذا المونديال جلس العدو والصديق، القريب والبعيد، المحارب والمترصد، السياسي والانتهازي. جلس الجميع تحت قبة شعار واحد، يحتكمون الى قانون لا جدال حوله ولا نقاش فيه. أصول اللعبة في المونديال معروفة لدى الجميع، لا لبس ولا شطارة في تحوير وقراءة الدستور. نظام داخلي يحتكم الجميع اليه وهو نظام الـ “FIFA”.
تساوى المشاركون وخرجوا دون خلاف، روح رياضية تسود مجريات المعارك. صورة البسمة الجميلة تراها على شفاه اللاعبين والمنشدين في كل مكان في قطر، وتجاوزت الحدود.
اما لبنان فهو يعاني من حرمان معظم شعبه عن مشاهدة ما يجري في المونديال من مباريات رائعة في الشكل والأداء. هذا الحرمان يعود سببه الى اهمال وفساد حكامه وسياسييه. بالمحصلة، الشعب اللبناني يتابع ما يدور ضمن جدران المجلس النيابي في ساحة النجمة في بيروت كل يوم خميس بدلا من مشاهدة مباريات المونديال.
المشهد لم يختلف في الشكل والمضمون عن الدورات السابقة، بل اكدها وأعطى لها بعدا جديدا: ان لا تغيير في طريقة التصويت حتى يظهر الدخان الأبيض القادم من وراء الحدود… ترى أي حدود؟
يوم الخميس بتاريخ 1/12/2022 جرت جلسة ثامنة لمجلس النواب لانتخاب رئيس للجمهورية. قُرئت النتائج التالية:
المرشح بشارة ابي يونس ظهر اسمه في هذه الدورة وليس له بعدا سياسيا.
المرشح بدري ضاهر موقوف في قضية انفجار المرفأ. صوت ينادي له باطلاق سراحه من التوقيف. أسلوب جديد في تسيير القضاء وتطبيق العدالة.
المرشح زياد بارود، النتيجة لم تتغير، احرى بنئي اسمه لحفظ كرامته.
المرشح عصام خليفة نال 4 أصوات بدلا عن 6. حفاظا لكرامة الدكتور ووطنيته المعروفة عدم تداول اسمه في الدورات القادمة.
ورقة “لاجل لبنان” صوت واحد، “ملغاة”.
ورقة “لبنان جديد” نالت 9 أصوات ولم تعتبر ملغاة. أي دستور ونظام داخلي يفسر هكذا الا في البرلمان اللبناني؟.
4 أصوات “ملغاة” لا قيمة لها في الانتخابات الرئاسية وكأن النواب الأربع لم يشاركوا في الجلسة حسب الدستور اللبناني وفقدوا تمثيلهم الشعبي في المجلس النيابي والذي منح لهم من الشعب في الانتخابات الأخيرة.
المرشح ميشال معوض نال 37 صوتا وانخفضت نتيجته بعدد من تغيبوا عن الجلسة من فريقه وفقدان صوت واحد اقره المجلس الدستوري حديثا. هذا الصوت الواحد هو من ضمن الـ”4 أصوات الملغاة”
وعدد ضئيل من الأصوات التي كانت منذ البداية تحمل شعار “احصنة طروادة”.
الورقة البيضاء نالت 52 صوتا. الموقف ما زال ثابتا ولن يتغير. فريق الممانعة مصر على الورقة البيضاء ولن يفصح عن اسم مرشحه. علما ان الاسم متداول بين عامة الناس وفي جميع النوادي السياسية. وهو الوزير السابق سليمان فرنجية، متى يعلن عن نفسه مرشحا للرئاسة وقد شارفنا على الدورة التاسعة.
فريق “الورقة البيضاء” ما زال بانتظار الرياح الموسمية من خارج الحدود وما تحمل اليه من قرار عند دنو اللحظة المناسبة. يطول الانتظار ويستمر التعطيل الرئاسي. تجربتنا السابقة مع هذا الفريق ما زلنا نعيش آثارها حتى اليوم:
الأيام السوداء العابرة التي اطلق عليها الجنرال صفة “جهنم” وتعطيله سابقا سدة الرئاسة اكثر من عامين متتاليين.
الا يسترعي ولو لوهلة قصيرة ساسة لبنان ما يجري حقيقة في المونديال على ارض الشقيقة قطر من تطبيق للدستور والأنظمة الداخلية المرعية من قبل الدولة الراعية لهذا الحددث المميز.
الجلسة الأخيرة، وقبل انعقادها، وصفها اعلامي بارز بتعليق مستفز، نافر بالمضمون وان كان في الحقيقة واقعيا “جلسة بلا طعمة”
للجلسات القادمة، وكم عددها؟ لست أدري.
على جميع النواب الجدد، المستقلين، وعلى مختلف مشاربهم ان يعيدوا النظر حتى تقف هذه المسرحية من تكرار نفسها ونصل الى انتخاب رئيس عتيد “صنع في لبنان” قادر على التغيير لأن الوطن بأمس الحاجة الى ملء هذا الفراغ الرئاسي وتشكيل حكومة كاملة الصلاحيات تحاكي اوجاع الشعب اللبناني.
عاش لبنان حرا سيدا مستقلا!..
المصدر: سفير الشمال
الكاتب: المهندس شفيق ملك