أين أصبح موقع الرئاسة؟… شفيق ملك

شهر أيار، شهر الجمال والتغيير، فيه تزدهر البراعم، تتفتح الأوراق الخضراء، وتنمو الأغصان النحيلة.

أمّا شهر أيار المنصرم 2022 في لبنان، فقد جاء بثلاث عشر غصناً جديداً، هم نتاج انتفاضة شعب ومحصلة ل 472.000 صوتاً من الشعب اللبناني، مصدر السلطات في لبنان المقيم والمغترب.

هذا الشعب الثائر تغنّى بلحن الثورة وصوت الحرية، منذ السابع عشر من تشرين وسار بها أشواطاً طويلة، شامخ الرأس، منتفضاً ضد منظومة دولة فاسدة لا تعرف لها قرار. هذه المنظومة تستطيع المناورة وتأخذ الأشكال المتعددة، حسب رغباتها ومآربها. تملك نظاماً دفاعياً، يحميها من كل ضربة تسدّد إليها، فتنجو بنفسها دون مشقّة.

هذا هو حال نظامنا السياسي الذي يحاول الشعب اختراقه أو تغييره عن طريق مجلسه النيابي الجديد، المنتخب حديثاً، سالكاً طريقه سلّم الديمقراطية السياسية المعروفة. حسب وثيقة الميثاق الوطني والدستور اللبناني كما جاء في مقدمته بتاريخ 21/9/1990. والذي يحفظ كافة الحقوق والحريات بالتساوي لجميع المواطنين.

هذه الأغصان وعددها ثلاثة عشر، أشبه بـ (13) نائباً، هم نواب كتلة التغيير الجدد. سبق وأن أطلقت عليهم في مقال سابق، هم أمل جديد للبنان وهم يحملون لنا رياح التغيير.

ماذا صنعت أيديهم منذ انتخابهم حتى اليوم؟

سؤال صادر عن أصوات الشعب، متى يحصل التغيير الحقيقي حتى يقال فيهم، هذه هي حقاً بذور التغيير حتى الآن النتيجة ما زالت.. صفراً.

الشعب يطالب بثلاثة عشر نائباً تغييرياً، أن يكونوا برأي واحد وصوت واحد يصبّ في صندوق الاقتراع في المجلس النيابي اللبناني المنعقدة دورته الدستورية الحالية لانتخاب الرئيس العتيد.

تحت اسم مرشح واحد يتفقون عليه فيما بينهم… يجسد السيادة، الحرية والاستقلال.

الحديث قائم عن التغييريين الجدد، المستقلين وكتلة الاعتدال، منذ الشغور الرئاسي. شغور نسعى لتحقيق ملئه في أقرب جلسة متاحة.

تعّود ساسة لبنان منذ أيام الاستقلال الانتظار لكلمة ما قادمة من الخارج. ألم يكف تلك السنين التي عبرت، فكانت درساً لا ينسى؟. انتظار الإملاءات وطرح الاسم من خارج الحدود، أمر معيب في الممارسة الديمقراطية.

بالمحصلة لينتج الرئيس القادم من رحم المجلس النيابي اللبناني ويولد رئيساً دون قيود، دون ورقة تحمل في طياتها شروطاً وحدوداً.

منذ بدء أول جلسة انتخابية للرئيس حتى تاريخ آخر جلسة يوم الخميس 10-11-2022، أداء كتلة نواب التغيير الجدد، والمستقلين في المجلس النيابي لانتخاب اللجان الفرعية أمر يستدعي التأمل والتوقف عنده بحيرة واستغراب!!؟

التصاريح التي صدرت عن الأفراد للكتلة تحتاج إلى ترجمة وتحليل سياسي.

جاء التبرير السياسي من أكثرهم، أن الكتلة مؤلفة من أفراد أتوا من مشارب مختلفة، وأن كل نائب حر الفكر طليق دون قيود، كتلتهم ليست حزباً بل افراد ملتفين بآراء مختلفة، يعملون لهدف واحد. نعم يوجد اختلاف بالرأي وليس خلافاً جوهريا، وهذا دليل تعافي وعلامة قوة في علم الممارسة السياسية.

كلام جميل لا يصرف في جلسة انتخاب الرئيس الأخيرة.

جلسة رقم 5 فرزت النتائج التالية:

ورقة بيضاء 47، ميشال معوض 44، عصام خليفة 6، زياد الحايك 1، زياد بارود 1، لبنان الجديد 7، لأجل لبنان 1، خطة ب 1 (ملغاة).

لقراءة النتائج تباعاً:

1ـ ورقة خطة ب هي رسالة سياسية، صاحبها تغييري ومنفصل عن الكتلة يقول… أني أملك خطة احتياطية، بس انتظروني، فالخطة ما زالت في المطبخ السياسي لم تستو بعد.

المحصلة لا قيمة لها بالمطلق لأنها ولدت (ملغاة)، وكأنه لدينا ترف الانتظار.

2ـ لبنان الجديد ولأجل لبنان (كلنا فدى لبنان)، لا ترجمة لهما في صندوق الاقتراع سوى التشتت.

3ـ زياد بارود سميّ من نائب رئيس المجلس، وخارج الكتلة وهو تمايز في الموقف. أهي رسالة من فريق الممانعة أم حرق لاسم صاحبها؟.

4ـ عصام خليفة، وزياد حايك اسمان لا غبار عليهما بالمطلق، فلما طرح الأسماء جزافاً دون هدف!.

دكتور عصام برز اسمه في لائحة الشرف عند احتدام ملف الترسيم بين لبنان وإسرائيل مؤرخاً معروفاً ومدافعاً شرساً لتبني خط 29 البحري السيادي بدلاً من خط 23 .

هذا الملف قد طوي، فلما زج اسمه الآن في سلة المرشحين للرئاسة بطريقة غير لائقة.

يبدو أن كتلة التغيير لديها مروحة كبيرة من الأسماء المطروحة للرئاسة. بدلا من ذكر بعضها أحرى بهذا الفريق أن يتفق على اسم واحد مرة واحدة وطرح الاسم بجدية… كفريق متماسك، ثمّ يبدأ المفاوضات مع باقي التكتلات.

الأسلوب المتبع لا يرتق إلى النضوج السياسي وإن كانت الأسماء جيدة.

5ـ الورقة البيضاء 47 صوتاً ، منذ الجلسة الأولى وحتى الخامسة منها، مرشحيها معروفي الأسماء.

مايسترو الكتلة أحجب عن طرح أسماء مرشحيها خيفة الاستهلاك وحرق للأسماء.

هذا الفريق يحتاج بشدة إلى اتفاق ما وعلى اسم مرشح واحد يطرح للرئاسة، وحل للمشكلة القائمة الداخلية بينهم.

لعل أن أحد مرشحي هذه الكتلة لديه دفتر شروط حمله من العهد البائد ليحقق ما لم يتوصل إليه سابقاً. هكذا هو نهج الإصلاح والتغيير.

على هذا الفريق إعادة النظر والابتعاد عن استعمال طرح الورقة البيضاء فلن نصل إلى مرشح للرئاسة بهذا الأسلوب السلبي، وإن سميّ بتكتيك سياسي وحق مشرّع بالديمقراطية، فلن نصل به إلى مكان.

6ـ 44 صوتاً كتلة وازنة مرشحها معروف الهوية ميشال معوض وبرنامجه السياسي واتجاهاته السياسية. يحتاج إلى نصيحة واحدة، منذ الدورة الأولى وحتى الأخيرة منها المساندة وعدم التغيب فمثلاً 48 أفضل من 44.

إلى نواب الأمة ، لقد مرت خمس دورات لانتخاب رئيس الجمهورية وفي كل دورة كانت عمليات تطيير النصاب سيدة الموقف. ألا يكف هدراً للوقت فالوطن يحتاج إلى رئيس بأسرع وقت ممكن، كذلك بحاجة إلى حكومة كاملة الأوصاف. إذ أن هناك ملفات متراكمة تحتاج إلى حلول وتطبيق.

فالوطن بحاجة ماسة إلى كل مقومات الحياة من جديد بدءاً بالإصلاحات في شتى المجالات، وتفعيل القضاء، والقضاء على الفساد المنتشر في أرجاء البلاد وإعادة السيادة المطلقة للوطن التي سلبت منذ زمن. الوضع الاجتماعي والمعيشي لعامة الشعب أصبح غير محتملاً ويحتاج إلى دعم في كل المواضيع، خصوصاً بعد ظهور جائحة الكوليرا في لبنان بدون وجود المقومات الرئيسية لمكافحتها بالماء، الكهرباء المستمرة والبنية التحتية.

ملف النزوح السوري في البلاد يحتاج الى حل لهذه المشكلة القائمة منذ 11 عام.

ألم يحن الوقت لوضع خلافاتكم القديمة جانباً، ولو مرحلياً.

لتتواضعوا وتتفقوا لانتخاب رئيس للبلاد وتشكيل حكومة، دون هدر للوقت.

بالأمس القريب، أحداث كبرى وهامة هزّت الاعلام الدولي والإقليمي حصلت في أماكن مختلفة من أرجاء المعمورة، وفي نفس التوقيت الزمني. كانت نتاج تحضير وجهد مسبقين أظهرت قوة تماسك قادة الدول، وفن الأداء السياسي لهم في سبيل إحياء الأوطان وبسط أمن الشعوب.

أولاً: ما حدث في تركيا من ضبط الأمن على مستوى الوطن واللافت إلقاء القبض على المرأة في نفس اليوم التي قامت بالتفجير بالتقسيم – شارع الاستقلال.

ثانياً: روسيا وأوكرانيا بالرغم من ما يحدث بينهما على نطاق المنطقة. قد يكون خروج القوات الروسية من مدينة خيرسون وتصعيد الضرب على كييف في نفس الوقت عمل استراتيجي يؤسس للجلوس المرتقب على طاولة المفاوضات.

ثالثاُ: في قمة (20G) المنعقدة في مدينة بالي القطبين الكبيرين في العالم أميركا والصين، يتبادلان الغزل لإنهاء شدة التصعيد المرتقبة لأجل أمن جزيرة تايوان وما حولها .

لتكن هذه أمثلة وتحفيز يحتذى بهم لتطبيق أصول وفن إدارة الدول والاهتمام بشعوبها. فمن منكم يتعّظ “.

للأسف الشديد الدورة السادسة لجلسة الانتخاب يوم الخميس لن تختلف عن سابقاتها حتى الآن لا حل لموقع الرئاسة في المدى القريب.

ما يجعل السؤال عن مصير موقع الرئاسة ولبنان مشروعاً !

عاش لبنان حراً سيداً مستقلاً…

الكاتب: المهندس شفيق ملك

المصدر: سفير الشمال


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal