الصراع الرئاسي بين رموز الممانعة!… شفيق ملك

لبنان الوطن الجريح يعيش أزمة سياسية خانقة، داخلية المنشأ، تعود أسبابها إلى عوامل مختلفة.

مجلس نيابي جديد أنتخب أعضاؤه على قانون اقتراع هجين. قانون انتخاب لا يمتّ بصلة إلى حقيقة التمثيل الشعبي بكافة أطيافه وألوانه.

قانون سميّ نسبياً إنّما هو مركّب، هندسته المنظومة السياسية الحاكمة على هواها.

مجلس غير متكافئ في توزيع قواه السياسية، أدّى إلى نشوء كتل نيابية متعددة حديثة في المجلس.

كتل متبعثرة ومترددة في أخذ قراراتها. هذه القوى تتمثّل بكتلة التغيير بين كتلة المستقلين، كتلة الاعتدال وكتلة نواب جدد مختلفي الانتماء.

بالمقابل يوجد كتلتين ذات ثقل سياسي وازن، وهي كتلة “الورقة البيضاء” وما تمثله من فريق 8 أذار، وكتلة ميشال معوض، التي تساندها معظم   فريق 14 أذار.

هذا النموذج في المجلس الحالي بعد عملية الاقتراع المتكررة، والنتيجة ما زالت سلبية.

الثنائي الشيعي ومحور الممانعة، كيف يقيمّان حليفيهما جبران باسيل وسليمان فرنجية، اللذان ينتميان إلى كتلة واحدة، تقع تحت مسمى “الورقة البيضاء”.

أولاً: جبران باسيل كما يعتقد له الأفضلية بالسياسة في كرسي الرئاسة لأنه يرأس كتلة مسيحية في المجلس النيابي تتكون من 18-20 نائباً.

بالمقابل سليمان فرنجية يعتبر أن له الأفضلية فهو تنازل من 6 سنوات عن هذا المنصب للجنرال عون.

ثانياً: بمنطق باسيل (نظرياً) الاستمرار بالنموذج العوني لحزبه التيّار الوطني الحر.

بالمقابل فان فرنجية يعتبر العين الثانية لحزب المقاومة.

ثالثاً: جبران لحقه ضرر من جرّاء العقوبات الأمريكية بحقه.

بالمقابل فان فرنجيه لا يملك ترف الوقت “معدوم” وانتظاره لفترة 6 سنوات أخرى.

رابعاً: جبران باسيل حليف قوي لفريق الممانعة ويشكّل غطاءً سياسياً للحزب منذ تفاهم حارة حريك.

بالمقابل، سليمان فرنجية لديه نفس الصفات ووفائه للحزب محسوماً.

مفاضلة بعد فشل الدورات الستة الانتخابية لمنصب الرئيس، برز عنصر جديد أدهش جميع الساسة في لبنان وخارجه.

باسيل المرشح غير المعلن رسمياً للرئاسة أعلن الحرب على غريمه السياسي فرنجية من فرنسا. جبران باسيل، وبعد فشله الذريع بإقناع رئيس فريق الممانعة في ثنيه عن تبنّي مرشح الرئاسة سليمان فرنجية، أصبح منفرداً، مضطرباً، خائفاً، سريع الانفعال في أخذ قراراته السياسية.

انطلق بعيداً محلّقاً بدون سربه إلى قطر طلباً للمساعدة في رفع العقوبات الأمريكية.

غرّد بعيداً حين سفره إلى فرنسا لمقابلة الرئيس ماكرون المشارك حالياً في مؤتمر (20G) في بالي اندونيسيا.

لعّل الرئيس الفرنسي متردّد بمقابلته، فتمّ الاجتماع مع ممثله السياسي في باريس.

أطلق باسيل بنود شروطه التعجيزية على أمل أن تصل الى الرئيس ماكرون ويحملها إلى المحادثات الأمريكية-الفرنسة-السعودية التي ستجري لاحقاً والموقف الإيراني منها.

لم يتوقف جبران عند هذا الحدّ بل سرّب “التسجيل الصوتي” ونشره في الإعلام، مهاجماً فيه كل من الرئيس بري، وغريمه المرشح الأوفر حظاً منه فرنجية، ومتخطياً كل القواعد السياسية المتعارف عليها.

نال هذا الهجوم القاسي كل المتحالفين معه، بالأخص رئيس المقاومة الذي رأى في هذا الهجوم كثيرا من التجاوزات السياسية وغير المقبولة دبلوماسياً. تحديداً ما طلبه باسيل من الفرنسيين لنقله إلى الحليف الإيراني. لا ننسى أن رئيس الممانعة لديه طريق واسعة معبدة منذ مجيء ماكرون إلى لبنان.

الفرنسيون هم أول من اجتزأ فكرة الجناح السياسي والعسكري في الحزب.

6، 7 دورات متتالية في المجلس النيابي وفريق “الورقة البيضاء” متمسك بموقفه، عدم تسميته أي اسم مرشح لانتخاب منصب الرئاسة. بالرغم من “جلاء الموقف” بوضوح.

هل هو تمثيل حقيقي … للديمقراطية؟ أم فن تكتيكي… انتخابي يعطّل البلاد ويسود الفساد، وآثاره نعيشها كل لحظة. أم أنها معركة ذات بعد سياسي غير مقروء وكما يقولون “الحرب خدعة”.

ألا يستدعي هذا الفريق إعادة التقييم والنظر ملّياً فيما حلّ في أرجاء البلاد ولملمة ما أصاب الشعب اللبناني من بؤس و فقر ومرض.

في ظل هذا الحراك الاقليمي الدولي والحروب القائمة، تركيا تقصف شمال وشرق سوريا ذريعة انفجار اسطنبول. إيران تقصف شمال العراق، واربيل تقع تحت قصف نيران وصواريخ الحرس الثوري الإيراني.

فريق إيران لكرة القدم لا يردد النشيد الوطني الإيراني في مونديال قطر .

قصف حمص والساحل السوري، سوريا الشقيقة مستهدفة دائماً من العدو الإسرائيلي.

الأرض العربية مستباحة في كل قطر وزمان.

ألا يستدعي هذا التفكير عميقاً بما يدور حولنا في بقاع الوطن العربي، وما تأثيره على الداخل اللبناني ومن الأزمة السياسية المتعثرة؟

لا سيما عند موعد كل استحقاق رئاسي في لبنان ويبقى لبنان مرتهن بالوكالة منذ عقود يعيش أغرب مفارقة تراها في ضواحي بيروت العاصمة. أن ترفع صور لرموز إيرانية للصف الأول الحاكم في السلطة، في حين أن تلك الصور لهذه الرموز جميعها تحرق علانية، بأصوات تردد “الموت للدكتاتور “، المنتفض أنثوياً على نظامه القمعي الملالي.

هذه الأحداث يراقبها العالم بأسره في جميع شوارع العاصمة طهران، وغيرها من المدن الإيرانية.

هذا الاختلاف في المشهد السياسي الميداني بين كل من مدينة بيروت ومدينة طهران.

ألا يحتاج إلى تحليل وجواب؟!

أخيراً لا يمكن قبول أن يحدث هذا التعطيل الرئاسي كما حدث سابقاً من تعنّت الفريق السياسي الذي سبق وأن عطّل البلاد سنتين ونصف لحين تمّت التسوية الشهيرة وجيء بالجنرال عون رئيساً.

أوصلنا عهده المظلم إلى جهنم، وما آلت إليه البلاد من تدهور في الاقتصاد والطاقة والأمن الغذائي.

لذا على نواب الأمة في لبنان إعادة النظر والتقييم في مقاربة الجلسات القادمة رقم 7 و8، أو 9 على الأكثر. مجمل القول، فتح صفحة جديدة للتفاهم والإئتلاف بين الكتل وانتخاب رئيس للبلاد يعيد لنا السيادة ولبنان المخطوف إلى محيطه العربي والدولي.

بمرور ذكرى عيد الاستقلال لعام 1943. كم هو حزين أن يعود علينا ولبنان يمر في أسوأ حال. أمسينا نترحم على تلك الأيام الغابرة.

عاش لبنان حراً سيداً مستقلاً…

بقلم: المهندس شفيق ملك

المصدر: سفير الشمال


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal