إيران تحت المجهر.. والاحتجاجات مستمرة!… شفيق ملك

الانتفاضات الشعبية المحقة في معظم دول العالم تنطلق شرارتها الأولى، بسبب دافع إنساني، يُساء إليه بقوة جامحة من قبل السلطات المحلية، فيثير الوجدان الداخلي للمواطنين، ضحيتها كانت امرأة أو رجل، طفلة أو طفل، شابة أو شاب بعد أن يقحم نفسه النظام السياسي للدولة المعنية في القمع العبثي اللاإنساني ويصبح مخالفاً بها كل القوانين السماوية والدستورية.

هذا ما حدث فعلاً في إيران في السادس عشر من شهر أيلول المنصرم 2022، فتاة في عمر الورود، عمرها لا يتجاوز الـ 22 ربيعاً، اسمها مهسا أميني Mehsa Amini ، إيرانية كردية الأصول. 

تمّ توقيفها على يد شرطة الأخلاق التي تتبع الحكومة الإيرانية. ووجّه إليها تهمة مباشرة بخدش الاخلاق، وإنها لم تكن ترتدي ملابس محتشمة. بعد 3 أيام من توقيفها، عادت جثة هامدة إلى عائلتها. أين نحن والعدل في هذا الزمن؟ في يوم جمعة، أعلن الطب الشرعي الإيراني أن الشابة أميني توفيت نتيجة تداعيات مرضية سابقة. كما يحدث في معظم الدول المعسكرة النظام والآحادية السلطة، لفّق التقرير الطبي وأعلن سبب الوفاة، بعد أن تمّ تغطية جريمة من الدرجة الأولى حيث توفيت بسبب ضربات مباشرة على الرأس في قسم الشرطة. عائلتها أعلنت أنها كانت تتمتع بصحة جيدة. أقفل محضر الوفاة، بتقرير حكومي، وبرّء القاتل، ودفنت القتيلة دون كشف لآثار الجريمة الشنعاء، أو مقاضاة الفاعل.

جرى ما جرى من الأحداث تحت أعين العالم والمجتمع الأممي . الجميع يتابع الأحداث بصمت على التلفاز والإعلام. تمر الأيام المتتالية والقتل مستمر دون حسيب أو رقيب. هكذا هي لعبة القوي على الضعيف… عند الأمم.

مقتل الفتاة أشعل الوجدان النسائي وخرجت الفتيات من المدارس، وهنّ يهتفّن بشعار”امرأة، حياة، حرية.”

ما أجمله هذا الشعار. صرخة مدوّية في سننداج Sanandaj عاصمة كردستان وهي محافظة في غرب إيران على الحدود الإيرانية العراقية. أضرم المحتجون النار في الشوارع استعداداً للتظاهرات الليلية.

تمددّت الاحتجاجات في إيران لمدن جديدة والنار تلتهم صور خامنئي. شملت التظاهرات الليلية أيضاً طهران، أصفهان، يلوشستان محافظة فارس، حتى وصلت جزيرة كيش الوجهة السياحية الأولى في إيران.

موت هذه الشابة بهذه الطريقة أِشعل نار الغضب في البلاد حول عدة قضايا، من بينها القيود المفروضة على الحريات الشخصية والقواعد الصارمة المتعلقة بلباس المرأة الإيرانية.

شارك جميع طبقات الشعب في الاحتجاجات اليومية بدون توقف وكسر حاجز الخوف في معظم المدن الإيرانية. هذه الانتفاضة، هي أوسع من تظاهرات نوفمبر 2019، التي نتجت عن ارتفاع سعر البنزين وتداعيات الأزمة الاقتصادية، وشملت مدن كثيرة في إيران.

حصيلة هذه الاحتجاجات السلمية حتى اليوم في البلاد كلها 300 قتيل من الشعب الثائر و 14000 سجين من دون أي إجراء أو تحقيق قضائي.

نعم كانت الاحتجاجات سلمية وما زالت ولكن النظام يريد عسكرتها حتى يغطي هذه الأعداد من القتلى، والجرحى والمساجين.

هنا بدأت لعبة التخوين والاتهام المباشر. لعب النظام بفكرة تهريب الأسلحة من مناطق مختلفة في إيران، وأنها تهرّب من خارج الحدود. وأخذ النظام يلقي التهم جزافاً على الدول التي تتدخل في الشؤون الداخلية لإيران.

مرة اتهم الإنجليزي ومرة أخرى اتهم الأمريكي وأنهما وراء اندلاع الانتفاضة الإيرانية.

من المضحك أن المذيع الإيراني رمى التهمة على أمريكا بسبب ضبط سكين مع مواطن إيراني كتب عليها (Made in U.S.A) . هكذا وجه الاتهام إلى أمريكا وأنها وراء كل هذه الأحداث. توالت الاتهامات الإيرانية لقوى خارجية بإشعال هذا الغضب الشعبي الثائر في معظم المدن الإيرانية، وأعلنت أنه تمّ توقيف عدد من الأجانب، حوالي 9 أشخاص من دول أجنبية بينها فرنسا، المانيا، إيطاليا، بولندا وهولندا.

تغلغل الهلع إلى السلطة الحاكمة، فجرت محاكمات علنية لـ 1000 شخص بتهمة المشاركة بالمظاهرات السلمية والشغب . كذلك تمّ اعتقال صحافية أجرت مقابلة لوالد الفتاة المغدورة مهسا أميني.

هناك تحرك خجول من الدول الأوروبية تصب تساؤلاتها على ما يجري في الداخل الإيراني ونقاش يدور بين المعنيين من الدول الأوروبية في كيفية التعامل مع هذا الواقع المتحرك في إيران.

دون إدلاء بأي نتائج في العلن . بالمحصلة ما يحدث حالياً في إيران وما يردده المحتجون من شعارات مناوئة للنظام الإيراني والمسؤولين في البلاد (الموت للدكتاتور) و حرق صور المرشد الأعلى في مختلف المناطق الإيرانية . ظاهرة نسائية أنثوية نالت تساؤلات وغضب في العالم، وهي قصّ شعورهن ونزع الحجاب علنيةً في الشوارع . كل هذه المظاهر الثورية وخاصةً إهانة رجال الدين بنزع عمائمهم عنوةً وعلنيةً في الشوارع العامة لها دلالةٌ كبيرة .

الصور الغاضبة المعبرة في الشوارع ، على السطوح وعلى شرفات المنازل أدى إلى احتقان كبير لدى الحرس الثوري الإيراني .

دخول الانتفاضة اليوم أسبوعها الثامن من بدء الشرارة الأولى والخسائر في الأرواح البشرية وتلف للممتلكات جعل النظام، يقفز إلى الأمام، منعاً لأية أضرار جانبية قد تصيب شرارة الثورة مباشرة مؤتمر فيينا ، أعني مفاوضات النوويّ، المتوقفة حالياً.

بالحديث عن النووي الإيراني، وانعكاساته السلبية نجد أن العالم بأسره يتناول هذا الملف بأهمية بالغة منذ عام 2015 حتى الآن وما زال مستمراً.

بالمقابل هناك خلل ما في العالم العربي، إذ لا نر أي صدمة إيجابية تحدث شرارة فكرية، تلد من رحمها، دولاً عربية مجتمعة ترتقي إلى تناول سلبيات الملف الإيراني. لتبني الآليات المناسبة للتعاطي معه.

علماً أن الملف النووي هو سلاح موقوت موجه مباشرة إلى الوطن العربي برمته.

ويبقى القول أن هناك قلق إيراني رسمي من التوترات التي تجري حالياً في مناطق الأقليات حيث هي الأكثر فقراً في إيران.

النظام يشير بأصابع الاتهام لهذه الأقليات بدعوة الانفصال. 

هذا ما نفاه جميع فصائل المحتجين من الثوار العزّل في المناطق وليس لديهم أي نزعة انفصالية. وبالتحديد منطقة الأحواز الذين نفوا كلياً حملهم للسلاح، هؤلاء السكان لديهم مطالب محقة لمناطقهم المحرومة.

لتحيا الثورات الشعبية العادلة في العالم ضد الظلم، الطغيان وكبت الحريات.

عاش لبنان حراً سيداً مستقلاً

الكاتب: شفيق ملك


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal