شيعت عكار يوم أمس آخر ضحايا مافيا الاتجار بالبشر، حيث إستقبلت جثامين عائلة العكاري التي لم يبق منها من يخبر قصتهم ولا كيف لفظوا أنفاسهم الأخيرة.
مضى وقت حتى تمكنوا من التعرف على العائلة بسبب تحلل الجثث التي شيعت يوم أمس وسط حشد غفير من المواطنين في بلدة وادي الجاموس التي زحفت بشيبها وشبابها لوداع العائلة.
ثمن الهجرة غير الشرعية كان مؤلما للغاية على المحافظة الثكلى جراء فقدان عائلتين بأكملهما، عائلة العكاري المؤلفة من الأب والأم وأربعة أطفال، وعائلة التلاوي من بلدة القرقف التي شيعت قبل أيام الأم سلمى وأطفالها الأربعة في حين تمكن الوالد وسام التلاوي من النجاة.
النتيجة المأساوية، والفاجعة، التي حلت على الشمال من لبنانيين وفلسطنيين وسوريين، كانت متوقعة وهي ربما نتيجة طبيعية لحالة الفلتان الأمني والتسيب على طول الحدود الشمالية التي تشتعل بحرا وبرا، مراكب بالجملة تخرج يوميا من الشاطئ الشمالي في الميناء طرابلس والمنية وعكار عبر مرفأي العبدة والعريضة، هي الحدود الشمالية الخاصرة الرخوة التي تدفع الثمن منذ العام 2011 ولا تزال لغاية اليوم.
أحداث متتالية تشهدها الحدود البرية جراء سيطرة “أسياد الحدود” على الشريط الحدودي وهو ما يؤدي الى إشكالات يومية في منطقة وادي خالد بسبب الخلاف على تهريب الأشخاص والسلع والممنوعات عبر الحدود البرية المشرعة على مصراعيها عبر أكثر من عشرة معابر ترابية، وآخرها أمس الأول ما أدى الى مقتل شاب وإصابة أربعة آخرين.
أجواء من الحزن واطلاق النار الكثيف واكب تشييع عائلة العكاري وهم علي يونس عكاري، رباب خضر عكاري وأولادهما رهف، عبد الرحمن، تاليا وروان.
“هو قدر العائلة المحتوم التي ذهبت برجليها الى الموت”، يقول أحد أبناء وادي الجاموس بحرقة وأسى، مؤكدا أن “الجميع يعرف علي العكاري وهو تاجر سيارات وصاحب ميني ماركت في البلدة، ولديه املاك، وذو سمعة حسنة، لكنه تعب من الأوضاع العامة في البلاد وحاول مرار الخروج في المراكب غير الشرعية وفي كل مرة كانت تتعطل الرحلة الا أن هذه المرة كان الموت قريب جدا ويتربص بهم”.
عارضت عائلة العكاري إبنها وطلبت منه مرارا عدم المجازفة بأرواح أفراد عائلته ولكنه كان مصمما ومستشرسا للذهاب الى الخارج، وبعد أن عجز الجميع عن إقناعه ولمس معارضتهم الشديدة للأمر رتب كل شيء في السر وغادر من دون علم الأقرباء.
بعد ساعات من الانطلاق تواصل مع أحد أشقائه وأخبرهم “أننا نغرق”، بحسب ما يروي احد الشبان يوم أمس أثناء انتظار الجثامين التي شقت طريقها بصعوبة وسط الحشود الغفيرة، ويقول: ذهب شقيقه الى صاحب الرحلة وأخبره بالأمر لكن الأخير طمأنه وبدد مخاوفه مؤكدا بأن كل الأمور بخير!.
أعضاء المافيا معروفون …والرؤس الكبيرة محمية
منذ نهار الخميس الفائت والقوى الأمنية من مخابرات الجيش اللبناني وفرع المعلومات تعمد الى التحقيق مع عائلات الضحايا وتم توقيف العديد من أفراد العصابة وهم من البلدات المجاورة وتحديدا من بلدة ببنين، وجرى توقيف المسؤول عن رحلة المركب (بلال وشقيقه ز ديب) القرار بتوقيف الشقيقين ديب كان اخذ قبل تسييره الرحلة الأخيرة بحسب المعلومات الأمنية، خصوصا أن سجلهما حافل لدى الأجهزة الأمنية.
هناك متورطون كبار وهم رأس الأفعى، بحسب ما يؤكد الشبان في بلدة وادي الجاموس يوم أمس وهم معروفون أيضا ولكن الدولة “ما بدق فيهم”، وهم أيضا من اصحاب الخبرة ولا يتركون شيئا وراءهم ولا يتعاطون بهذه الأمور بالمباشر بل عبر الوسطاء، لذلك لا جدوى من حملة التوقيفات التي تجري لأن هؤلاء سيجندون آخرين لادارة أشغالهم وتجارتهم المربحة ولا شيء سيوقفهم”.
يروي عدد من الناجين كيف تعامل ديب وشقيقه بقسوة مع قبطان المركب حيث أجبروه على الإبحار وبعد تمنع الأخير بسبب ارتفاع الأمواج والطقس السيء، والحمولة الزائدة، هددوه بالقتل على البر وبحال عاد من الرحلة، وأكدوا أن كل من كان بغرفة القبطان توفي فورا، أما علي العكاري فقد إستسلم للموت بعد رؤيته لعائلته وقد قضوا جميعا كما عجز عن إنتشال إبنه وهو كان شديد التعلق به، لقد مات قهرا وحزنا وليس عجزا عن السباحة لأنه كان سباحا ماهرا وصاحب بنية قوية، وقد عثرت فرق الانقاذ السورية على أفراد العائلة منذ اليوم الأول أما علي فعثروا عليه يوم أمس.
Related Posts