إستحقاق بعبدا الرئاسي.. سجال المكونات حول الخيارات والتوجهات (1)… صبحي عبد الوهاب

تظهر للباحث في مقاربته لأسباب ودوافع الإنقسامات الحادة في المجتمع اللبناني هيمنة الطائفية والمذهبية على مجمل مظاهر الحياة الإجتماعية والسياسية والإقتصادية مما يضع البلاد بفعل مؤثرات ومضاعفات وإرتدادت تلك الإنقسامات أمام حالة مرضية يرى فيها الأكاديمي الدكتور شوكت أشتي أنها تعود الى فقدان التلاقي الذي يزيد لبنان تشرذماً، وتشظياً، وإفتراقاً بحيث يتحول النقاش حول أسباب التشظي الى تنامي مشاعر العنفية والإلغائية التي تنعكس سلباً على ذهنية غالبية اللبنانيين وسلوكياتهم. وتأتي هذه الدراسة لتضيء على مكامن الإنقسام في أشكاله المتعددة لعل أخطرها التناقضات المجتمعية حول مفهوم الكيان الذي تمت ولادته في العام 1920 ومدى إنعكاساتها على مسيرة التطور السياسي الذي وصل اليه لبنان في المرحلة الراهنة.

لم تتوصل محورية سمير جعجع في الحياة السياسية العامة الى إقناع شرائح واسعة من معارضي خياراته الإستراتيجية وتوجهاته ومواقفه السياسية بأن حضوره بات وازناً سواء أكان قد أتصف هذا الحضور بالإيجابية حينا أو بالسلبية في أحيان أخرى. وبالرغم من حدة الإنقسامات السائدة بين وداخل المكونات التي تشكل بمجموعها بنية الكيان الوطني، فقد سارع النائب ملحم الرياشي وقبل أن يداهمه الإستحقاق المتعلق بإنتخاب رئيس جديد للبلاد الى الإعلان عن ترشيحه للحكيم الى رئاسة الجمهورية في 24 آب/ أغسطس 2022 ، ” لوضع المعركة في موضعها الطبيعي إذ بعد أشهر من البحث وجد فيه الشخصية التي تنطبق عليها أكثر المواصفات المطلوبة لخلاص لبنان إنطلاقا من تجربته السياسية المحلية والخارجية، معتبراً انه بعد “أقوى فترة حرب مرت على لبنان” هو الوحيد الذي يستطيع أن يفك عزلة البلد وإخراجه من محنته”.

ولن يتردد النائب الرياشي بالإلتفات الى زميله رئيس كتلة الوفاء للمقاومة ليتأمل ملياً في ما أشار اليه النائب الحاج محمد رعد خلال حفلٍ تأبيني أقامه حزب الله في بلدة النبطية بتاريخ 27 آب/ أغسطس قائلاً :” إمّا أن يكون لدينا رئيس قوي يلتزم فعلًا بالسيادة الوطنية ويُدافع عنها ويضحّي من أجلها وإمّا أن يكون لدينا رئيس مبرمج من أجل أن يوقّع إتفاقات مع الذين يريدون أن ينتقصوا من سيادتنا وهذا هو أفق المعركة الرئاسية ونأخذُها من هذا البعد وليس من بُعد تسمية فلان أو فلان وقبل أن نفكّر في تسمية الأشخاص يجب أن نفكّر في الغاية التي نريد أن نحميها من خلال إختيارنا للرئيس”.

وما يثير حفيظة البعض من المتابعين ومن الاوساط المقربة أن الرياشي لم يتح لمرشحه أية فرصة ” ليصدّ أي تحرك يطرح إسمه للرئاسة”، فـ”البلد في طريقه الى الزوال وبحاجة الى شخص مثله”. وربما قد فات الرياشي في وقت من الأوقات أن الدكتور سمير جعجع لم يتردد يوماً في إعتبار ترشيحه للرئاسة مسالة طبيعية” لسبب بسيط جدا، يستند عليه الحكيم وهو “نتائج الانتخابات الأخيرة التي منحت القوات النسبة الأكبر من الأصوات” وإذا أجمعت المعارضة على وصولي إلى رئاسة الجمهورية، فإن كل شيء سيتغير، وضعنا ليس مستحيلا، بل يقوم بين أكلة ناهمين وحلفائهم”، مضيفاً: “هنا المقصود جماعة حزب الله، من لديهم مشروع آخر، لا علاقة له بمصالح الشعب اللبناني، هذا ما أوصل لبنان إلى حاله اليوم.. وفي حال وصلت إلى الرئاسة فمن المؤكد أن كل شيء سيتغير”. كان ذلك كلام قيل علانية في الرابع (4) من تموز / يوليو 2022.

ولكن ما هي مرتكزات برنامج التغيير الذي ينشده الحكيم وأعلن عنه عشية الإنتخابات النيابية الأخيرة التي جرت في ربيع 2022 وتوجه من خلاله الى مخاطبة الرأي العام اللبناني والعربي والمراجع الإقليمية والدولية موضحاً كيفية إعادة بناء الدولة اللبنانية، وعلى أي أساس ولأي مستقبل واعد يسعى ولأي لبنان يتطلع ويعمل؟.

لن ننتظر طويلاً حتى تتكشف لنا كل هذه المرتكزات التي ستواجهها مرتكزات أخرى تغلب عليها لغة التضاد، وتتوالد منها إشكاليات تتمحور حولها سجالات لا تنتهي وتعطي صورة كاملة عما وصلت اليه الإنقسامات الحادة أمام كل إستحقاق محوري بحيث أن هناك شعور سائد عند غالبية اللبنانيين بأن الخلافات المستحكمة والتي لا تنتهي وتطال ميادين متعددة الوجوه والاهداف وتختلف فيها المقاربات والقراءات لا سيما حول كيفية إعادة بناء الدولة وتطبيق الإصلاحات الحيوية والضرورية في سلك القضاء لتسود العدالة والشفافية وتوفير الدعائم التي تساعد على تجديد هيكليتها الإدارية التي تتوسع بإتجاه اللامركزية الإدارية التي تَقْضي بتنظيمِ لبنانَ وِفق مناطقَ محلّيّة وتجمّعاتٍ سكّانيّة على الأراضي اللبنانية كافّة، تستفيدُ من الصفات التفاضليّة لكلِّ منطقة جغرافيّة، وتعزّزُ الإنتاجيّة الاقتصاديّة والرفاهيّة الإجتماعية، وتحقّقُ المرونة الإداريّة والماليّة، وتراعي الخصوصيّات الاجتماعيّة والثقافيّة والحياتيّة لكلِّ منطقة، وتلتزم بمبادىء وأهداف التنمية المستَدَامَة وكذلك حصرية إستخدام السلاح ومظاهر الفساد وأطروحة تعددية المجتمع اللبناني وقضايا الهوية والمواطنة والإنتماء ونهائية الكيان اللبناني وقاعدته التي تستند بشكل متين على الدستور، وتحديات العمل السياسي والحزبي في مناخ ديمقراطي وبشكل إستراتيجي حروب الإقليم والقرارات الصادرة عن مجلس الأمن وسيادة الدولة على كافة مرافقها العامة وثرواتها الوطنية من نفط وغاز ومياه وإيجاد الحلول السياسية العملية لمشكلة التوطين وعودةُ النازحين وكلها تشكل ملفاً شائكاً يعزز التباين والإنقسام.


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal