دوافع ومحركات النزاع الإيديولوجي في الحرب الروسية ـ الأوكرانية (12).. صبحي عبد الوهاب

تصاعدت حدة النزاع السياسي والإيديولجي في الحرب الروسية الأوكرانية وتفاقمت وتيرتها حينما  أشار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في مقابلة مع القناة الإخبارية الإيطالية Zona Bianca، في 24 آذار 2022 الى أن حقيقة رئيس أوكرانيا يهوديا لا يتعارض مع مزاعم موسكو بأنها شنت الغزو “لاجتثاث النازية”  من البلاد، مدعيا أنه حتى هتلر “كان دمه يهوديا”. وأكد حينما سئل كيف يمكن للرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن يدعي أنه يحاول “إجتثاث النازية” من أوكرانيا في حين أن فولوديمير زيلينسكي، الرئيس المنتخب ديمقراطيا للبلاد، يهوديا، فأجاب قائلاً: وإن كان زيلينسكي يهوديا. هذه الحقيقة لا تلغي العناصر النازية في أوكرانيا. أعتقد أن “هتلر كان لديه أيضا دم يهودي”، مضيفا أن” بعض أسوأ المعادين للسامية هم من اليهود”. وقد أشار كاتب ألماني هو هينيكيه كاردل في الصفحة 13 من كتاب له لقي ترجمته العربية على أيدي ميشيل منيّر وصدر في طبعته الأولى عن دار الزهراء للطباعة والنشر والتوثيق والتوزيع بيروت 2008 أنه من الخطأ معرفيا الإعتقاد بأن الأصل الديني لأدولف هتلر هو الأساس في تعاونه مع الحركة الصهيونية من أجل إقامة الدولة الصهيونية في فلسطين . لكون ذلك قد تم من خلال إضطهاد اليهود كيهود في ألمانيا وغيرها من البلدان الأوروبية . لقد ركز كل من هتلر والحركة الصهيونية  على إطلاق العناء للعداء العنصري  ضد اليهود والشعوب من أجل تبرير سياسة مشروعيها . وكان هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية يعتب العداء العنصري ضد اليهود “هو الوقود الذي يغذي الحركة الصهيونية”.

وقد دحض بعض المؤرخبن مراراً نظريات المؤامرة المستمرة القائلة بأن الزعيم النازي أدولف هتلر كان لديه بعض الأصول اليهودية التي ربما تكون قد حفزت معادته للسامية وقتله ستة ملايين يهود بالرغم من ضخامة العدد والمبالغة في حجمه.  وعند الإعلان عن الغزو، قال بوتين إن “العملية العسكرية الخاصة” ستسعى إلى “اجتثاث النازية” من الدولة السيادية المجاورة. وسعت وسائل الإعلام الروسية مرارا إلى تصوير أوكرانيا على أنها متحالفة مع النازية، دون دليل يدعم مثل هذه الاتهامات. وفي معرض تبريره الحرب على أوكرانيا، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للشعب الروسي إن هدفه حماية أولئك الذين تعرضوا لما وصفه بـ 8 سنوات من التنمر والإبادة الجماعية من قبل الحكومة الأوكرانية. و يبدو أيضا أن بوتين حاول من خلال هذا السرد رواية وقائع تاريخية تعود لعام 1941، عندما احتلت ألمانيا النازية أوكرانيا، التي كانت في ذلك الوقت جزءا من الاتحاد السوفيتي حيث رحب بعض القوميين الأوكرانيين آنذاك بالمحتلين النازيين نكاية في السوفيت وتعاونوا معهم، كما حدث في بلدان أخرى.

وقد رد زيلينسكي على ذلك في كلمة نشرها موقع بوليتيكو قائلا: “أوكرانيا في أخباركم وأوكرانيا على أرض الواقع مختلفتان تماما، والفرق الأساسي بينهما هو أن دولتنا حقيقية، إنهم يخبرونكم أننا نازيون، لكن كيف يمكن لشعب فقد أكثر من 8 ملايين ضحية في المعارك ضد النازية أن يدعم النازية”. وفي هذا السياق التقى مراسل بي بي سي بتاتيانا زابرامنايا، الناجية من الهولوكوست والبالغة من العمر 84 عاما، والتي تتذكر طفولتها في منزل ساده، بشكل غير معلن، الشعور بالصدمة.

ويبقى السؤال يتحرى ماهية ما حدث في معسكر “أوشفيتز”؟

فتقول تاتانيا :”سألت أمي عن الحرب العالمية، ماذا ومتى ولماذا، لكنها لم تستطع التحدث عنها دون أن ترتجف ودون أن تبكي وتطلب عدم تذكيرها بالحرب، لقد كان خالي وخالتي في كييف وأخبرتني أمي أنهما قتلا”.

وتعيش ابنتها في كييف مع زوجها وابنهما بالتبني. وتكافح تاتانيا لتتحدث من خلال دموعها: “من كان يظن أن يتكرر ما حدث في 22 يونيو/حزيران من عام 1941 ونتعرض للغزو مرة أخرى، لكن من روسيا؟ إنه أمر مروع”.

ولاشك أن الحربين، آنذاك والآن، مختلفتين، ولكن بالنسبة لمن هم مثل تاتيانا، الذين يعانون من جروح التاريخ العاطفية، فإن ما يجتاح أوكرانيا الآن يعيد إحياء المعاناة القديمة.

وهناك شعور بأن مشاهدة التدفق اللامتناهي للاجئين وأطفالهم سيخلق جيلا جديدا يحمل عبء الذاكرة المؤلمة.

وعندما أصابت قذيفة روسية برج الإذاعة والتلفزيون الرئيسي في العاصمة الأوكرانية كييف، على بعد مسافة قصيرة من “مركز بابين يار” لإحياء ذكرى ضحايا المحرقة، لم يؤد ذلك إلى إثارة ذكريات أليمة لدى اليهود الأوكرانيين فحسب، بل اليهود في مختلف أنحاء العالم.

لكن أدى قُرب موقع القصف من المكان الذي قُتل فيه نحو 34 ألفا من يهود المدينة بشكل ممنهج بنيران المدافع الرشاشة في مذبحة استمرت يومين في عام 1941 إلى إثارة ذكريات مؤلمة.

وقد أصدر مسؤولون في نصب ياد فاشيم الإسرائيلي لإحياء ذكرى ضحايا المحرقة بيانا يدين الهجوم، وكذلك فعل المسؤولون في المتحف الخاص بإحياء ذكرى ضحايا المحرقة بالولايات المتحدة واللجنة اليهودية الأمريكية.

وبالنسبة للعديد من اليهود، تستحضر أوكرانيا ذكريات “البوغروم” ومعاداة السامية والتعاون مع النازي. وقد قُتل ما بين 1.2 مليون و 1.6 مليون يهودي في أوكرانيا خلال المحرقة. بحسب صحيفة واشنطن بوست الأمريكية.

لكن ما هي ذكريات “البوغروم”المؤلمة؟ تقول دائرة المعارف البريطانية إن كلمة بوغروم الروسية تعني “الدمار” أو “الشغب”، وارتبطت بالمذابح والهجمات الجماعية، إما بموافقة السلطات أو تغاضيها عنها، ضد أشخاص وممتلكات أقلية دينية أو عرقية أو قومية، وينطبق المصطلح عادة على الهجمات ضد اليهود في الإمبراطورية الروسية في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.

وقد وقعت أولى المذابح واسعة النطاق ضد يهود الإمبراطورية الروسية عقب اغتيال القيصر ألكسندر الثاني في عام 1881. وعلى الرغم من أن القاتل لم يكن يهوديا، وأن يهوديا واحدا فقط كانت له علاقة به، إلا أن الشائعات الكاذبة أثارت حشودا روسية في أكثر من 200 مدينة وبلدة لمهاجمة اليهود وتدمير ممتلكاتهم.

ويرى الدكتور محمد نصر مهنا في مؤلفه “السوفيات وقضية فلسطين” الصادر عن دار المعارف بمصر عام 1980 وفي الصفحات 8 و 9 من الثابت ان السوفيات قبل إنهيار دولتهم    يقفون دائما موقفا مناوئا للاديان السماوية حتى اليهود السوفيات قد لاقوا الاضطهاد منذ قيام الثورة الشيوعية، وقد بلغ هذا الاضطهاد قمته عشية الحرب العالمية الثانية حينما اعدم ستالين عام ١٩٣٧ بعض الزعماء اليهود هناك ، ومن الواضح ان كثيرا من اليهود السوفيات قد انزعجوا من التحالف النازي الروسي سنة ١٩٤٠ ازاء الهجوم النازي على الديانة اليهودية والذي كان انجازا اساسيا للرايخ الثالث ، ومن ثم فقد ساعد اليهود السوفيات الملحدون حلفاءهم السياسيين الجدد في حربهم على الاديان،وحتى عندما غزت جيوش هتلر الاراضي السوفياتية كان اليهود السوفيات ايضا هدفا للوحشية النازية ، فقتل مئات الالوف، واثناء سنوات الحرب كان الذعر الالماني المصحوب بالاضطهاد السوفياتي هو السمة الملحوظة ، وكانت النتائج طبقا للبيانات السوفياتية الرسمية فقدان ما يزيد على ٢٠ مليون نسمة نتيجة للتطهير الذي قام به ستالين.

وفي ما يتعدى الإيديولوجيا يدخل الإقتصاد في أتون الصراع الروسي الأوكراني  حيث وقعت مصر وإسرائيل والاتحاد الأوروبي في 15 حزيران من العام الجاري 2022 مذكرة تفاهم لزيادة صادرات الغاز الإسرائيلي إلى الاتحاد الأوروبي بعد تسييله في مصر.

وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، عقب توقيع المذكرة في القاهرة على هامش الاجتماع السابع لمنتدى غاز المتوسط، إنها فرصة لتأمين الطاقة والتعاون الإقليمي وتدعيم السلام والتحول للطاقة النظيفة.

وأضافت أن تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا أجبرت المفوضية على تنويع مصادر الطاقة، مشيرةً إلى أن المفوضية تدعم مصر لتكون مركزًا إقليميًا لنقل الطاقة وستساعد مذكرة التفاهم التي وقعت اليوم الأربعاء مع إسرائيل في هذا الشأن.

ومن جانبها، قالت وزيرة الطاقة الإسرائيلية كارين الحرار، أثناء توقيع مذكرة التفاهم في القاهرة، “إن هذا الاتفاق الأولي يدلل على أن مصر وإسرائيل تلعبان دورا محوريا لتأمين احتياجات الطاقة للشركاء الأوروبيين”.

وأضافت: “اليوم مصر وإسرائيل تتعهدان بإمداد الاتحاد الأوروبي بالغاز الطبيعي ومساعدته في التغلب على أزمة الطاقة”.

وقالت وزارة الطاقة الإسرائيلية إن هذه الاتفاقية الإطارية هي الأولى التي تسمح بتصدير الغاز الإسرائيلي بكميات كبيرة إلى الاتحاد الأوروبي.

وأشارت إلى أنه بموجب هذا الاتفاق، يشجع الاتحاد الأوروبي شركاته على المشاركة في مناقصات التنقيب عن الغاز في مصر وإسرائيل.

ويُنقل الغاز الإسرائيلي عبر خط أنابيب إلى محطات تسييل على ساحل البحر المتوسط في مصر، حيث يُعاد تصديره إلى دول أخرى كغاز طبيعي مسال. ويُعد هذا الاتفاق اعترافا بالدور الرئيسي الذي يلعبه الغاز الطبيعي في سوق الطاقة في الاتحاد الأوروبي حتى عام 2030.

وأثرت الأزمة الروسية الأوكرانية على إمدادات الطاقة في العالم وارتفاع أسعارها، وتحاول دول الغرب من خلال شركائها تعويض احتياجاتها من الطاقة.

وتعتمد أوروبا على الغاز الروسي في توفير ما يزيد على 40 في المئة من احتياجاتها من الغاز، وهو ما تعيد المفوضية الأوروبية النظر فيه منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في محاولة للتقليل من الاعتماد على منتجات الطاقة الروسية.

وكل هذا ألا تستدعي تصريحات لافروف، الإدانة من يائير لابيد حينما كان وزيرا لخارجية إسرائيل وبالتالي مطالبة لافروف بالاعتذار عنها، بإعتبارها “فضيحة لاتغتفر”، إذ ألقت باللوم على اليهود أنفسهم في المحرقة وأبدت وزارة الخارجية الروسية إصرارها على ان تصريحات لابيد “معادية للتاريخ”، وأنها تلقي الضوء على سبب “دعم الحكومة الإسرائيلية الحالية لنظام النازيين الجدد في كييف”.


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal