لطالما تغنى اللبناني بقدرته على التأقلم مع الظروف والاوضاع ولطالما تميز بأنه قادر على الانخراط في اي مجتمع او بلد، فهو ان تغرّب تمكن من الاندماج في البلد المضيف، وان ساءت احواله استنبط الافكار ليتمكن من الاستمرار ومقاومة الصعاب.
نعم اللبناني فظيع في تأقلمه ايجاباً وسلباً لانه في أحيان كثيرة يصبح التأقلم سيف ذو حدين، فهو من جهة يساعد على تقبل الواقع وتحسين ظروفه ولكن من جهة أخرى يجعلك خانعاً متقبلاً ومستسلماً لوضع مفروض عليك بدل مقاومته والسعي نحو الأفضل.
على مدار عقود تأقلم اللبناني مع كل ما هو مستجد في حياته حيث غض النظر عن انقطاع الكهرباء المستمر واستنبط بادىء ذي بدء فكرة المولد المنزلي الخاص لينعم بالنور ومنه الى مولدات الاحياء التي باتت اقوى من الدولة في تأمين ساعات التغذية بالتيار الكهربائي وصولاً الى الاعتماد وبشكل فردي على الطاقة الشمسية كحل بديل عن العتمة الشاملة التي اغرقوه فيها.
تأقلم اللبناني مع انقطاع الدواء ووجد الحل بالتوجه نحو سوريا او تركيا لتأمين مستلزماته من هذا القطاع، فنشط صيادلة على خط الاستيراد بدل تدعيم وتفعيل صناعة الادوية المحلية من دون ان يحرك اللبناني ساكناً لتغيير هذا الوضع او الاعتراض عليه.
تأقلم اللبناني مع فقدان مادة المازوت والبنزين فنشطت تجارة الغالونات واصطف الشعب في طوابير لتأمين هذه المادة وايضاً من دون اعتراض لا بل باتت شطارة ان تحصل على غالون بنزين.
تأقلم اللبناني مع انقطاع الخبز وتحسب له بتكديس اكياس الطحين في المنزل ووقف في الطوابير لتأمين لقمة عيشه التي لم تعد بمتناول كل الناس وايضاً من دون تذمر او ردة فعل غاضبة.
تأقلم اللبناني على السير ضمن طرقات يغيب عنها الزفت و تعوّد على غياب مياه الشفة واستبدالها بالمياه المعدنية والاعتماد على السيترنات لتأمين احتياجاته اليومية رغم وفرة الينابيع والانهر في بلده.
تأقلم اللبناني مع فكرة انهيار مؤسسات الدولة وبات يدفع الرشاوى لتخليص معاملاته ويعتبر انها شطارة ويتندر على من لا يزال يسير حسب الطرق القانونية والاصول في تخليص المعاملات.
تأقلم اللبناني مع الوضع الشاذ في المصارف وبات يعتبر حصوله على فتات من مدخراته انجازاً ويقبل بكل ترحاب القرارات المالية التي تقتطع اكثر من سبعين بالمئة من رصيده.
تأقلم اللبناني بأن حكوماته يأخذ تشكيلها اشهراً وسنوات حتى انه احياناً ينسى ما اذا كانت هناك حكومة فاعلة او متقاعسة او انها باتت في طور تصريف الاعمال.
نعم ان التأقلم سيف ذو حدين فهو في احيان كثيرة قاتل لكل المبادرات ناحر لكل الاعتراضات ووأد لكل التحركات التي من شأنها تغيير الواقع بدل التذاكي والتعامي والتشاطر ضمن مقولة يا رب نفسي ولو كان على البلد السلام ورحمة الله وبركاته.
Related Posts