ملف الغاز يتصدر صراعات المنطقة.. ولبنان غارق بالترسيم!… شفيق ملك

(التوقيع) كانت كلمة الفصل لمذكرة تفاهم الغاز. بالأمس القريب تصّدر الإعلام وبات حقيقة يشار إليها لا يشوبها شك أو توصيف .

الاتحاد الأوروبي ممثلاً بمندوبته البلجيكية الجنسية، المتجولة الناشطة بين الدول الأوروبية من كييف بؤرة الحرب الضروس الملتهبة نيرانها على كل المحاور تقارب الأمور دون خوف أو وجل. زيارة خاطفة قامت بها إلى دولة العدو الإسرائيلي (أرض فلسطين المغتصبة) بعيداً عن المحاكاة السياسية، هناك نوقش ما نوقش، وتمّ التفاهم سريعاً: الأولوية لملف الغاز.

حدث الانتقال تلقائياً إلى محطة التوقيع في جمهورية مصر العربية، تمّ (التوقيع) المشار إليه من دون تردد بين الأفرقاء الثلاثة على مذكرة تفاهم تجسّد إلتزاماً نافذاً بمشاركة الغاز الطبيعي مع دول أوروبا المعنية ومساعدتها فوراً.

ينتقل الغاز المستخرج الإسرائيلي المصدر إلى أرض مصر العربية ويسيّل الغاز الطبيعي أصولاً، يضّخ داخل أنابيب خاصة معدّة له للتصدير، راسيةً هذه الأنابيب عند مستوى قعر شواطئ البحر الأبيض المتوسط ممتدة حتى تصل شواطئ أوروبا، يصل الغاز آمناً للاستفادة منه دون صعوبات نراها في المدى القريب.

انتقال سريع بين القارات الثلاث، من قارة أسيا إلى قارة أفريقيا ومن ثمّ إلى أوروبا قاطعاً آلاف الأميال.

هكذا تظهر صورة إدارة الحكومات الصادقة مع نفسها لتستفيد شعوبها المعنية من هذا الغاز بدلاً عن توقف الضّخ للغاز الروسي جزئياً أو الشحّ الذي أصاب الدول بسبب اندلاع الحرب المذكورة، خلال فترة ستة أشهر وليس بعشرات السنين كما يحدث في لبنان حالياً. وحصلت القارة العجوز على جزء من مبتغاها المنشود.

نتوقف هنا قليلاً، ونتساءل ماذا حدث؟

ستة أشهر أو يزيد عن اندلاع حرب أوكرانيا في حينه كتبت مقالاً يشير إلى (حرب أوكرانيا وتداعيتها في لبنان)، كان حجم هذه التداعيات محدوداً ، فإذا به الآن يكبر متخطياً دول المنطقة المحيطة بنا، الحرب تدور دون هوادة ودون حلول قريبة لإيقافها.

أصبح الغاز الرقم الأول والمعادلة الصعبة لدى جميع الدول، بمزيد من الترفع في الدبلوماسية السياسية ووضع الأنانية جانباً قد نصل إلى الحلول المناسبة دون تأخير. التأخير في معالجة هذه المشكلة هي خسارة كبيرة تعّد بمليارات الدولارات الأميركية.

ركّزت هذه الدول على إيجاد حلول بديلة، خطة أخرى، خطة (Plan B) كي تسير الحلول جميعها متوازية للاستفادة من الزمن الثمين ككلفة مهدورة.

المفارقة عند اندلاع هذه الحرب الضارية أكتشف العالم فجأة أن أوكرانيا هي مصدر كل شيء من مواد غذائية متعددة ولوازم إنشائية تصدّر جميعها إلى دول عديدة لها تأثيرها المباشر على نمو اقتصادها الوطني.

الغاز الروسي عاملاً مؤثراً وأداة رئيسية في تحديد مسار المعركة المجهولة الأبعاد حتى الآن.

إذاً ماذا عن ساسة لبنان، ملف الغاز وما هو مرتبط به وتموضعه على المسار الصحيح ولا أجد أحداً منهم في موقعه المناسب، إنما ساسة مبعثرون من كتل مختلفة، ملتبسة الأفكار دون الحصول على نتائج ملموسة.

هذا هو وضع الساسة في لبنان عالم الافتراض، بلد العجائب وملف الغاز ما زال الأحجية بانتظار الحل.

ملف الترسيم حديث الساعة في لبنان وما أكثر روّاده من جميع فئات المجتمع اللبناني، وما زال المحور الأول دون وضوح في الرؤيا أو الوصول إلى حل حقيقي.

الجميع يعلم منذ أشهر إنطلاقاً من (رئيس المجلس النيابي اللبناني) توصلنا إلى معرفة واضحة دون شك بأن (إدارة ملف الترسيم) قد انتقلت من (يد رئيس المجلس)، بعد إنجاز إتفاق الاطار إلى (سدة الحكم)، مع العلم أن هناك مفاوضات جارية بين دولة لبنان ودولة العدو الإسرائيلي بوجود غطاء ووسيط أميركي أي محادثات غير مباشرة.

الفترة التي استقطعت للتوصل لإتفاقية تنص فقط لإدارة هذا الملف قاربت حوالي الثماني سنوات، دون الوصول إلى حقائق علمية ثابتة بشأن الترسيم البري أو البحري.

وجدنا حقيقة آراء مختلفة، ثوابت متحركة، نصوص يقابلها نصوص متعارضة وخطوط متداخلة متشابكة، النتيجة أننا لم نصل إلى نقطة مشتركة ينطلق منه الترسيم.

مفارقة أخرى أن كل فريق سياسي ينادي بالعفة والوطنية ويتمسك الجميع بتراب أرض الوطن الغالي.. المسلوبة إرادته.

كلّ ينادي أنه حقّق هذا الانتصار.. عصر البترول والغاز.

حتى تاريخه ها هو الاتفاق الحقيقي المبرم يقع في مكان آخر. آخر نبأ صدر أنه بعد أيام الوسيط المذكور والمتعدد الجنسيات سيبث إلينا نتائج مباحثاته وما جرى مع العدو.

المسرحية لم تسدل ستارها بعد، ربما قد يضاف إليها حلقات جديدة.

الترسيم موضوع وطني بامتياز شائك بمعالمه، يدور ويدور في حلقات مفرغة، متى نصل إلى كلمة سواء النهاية (The End)؟ متى ينتهي هذا الفيلم الطويل.. لا ندري.

أمنيتي كمواطن لبناني يحترم سيادة وطنه أن يكون لبنان قد حصل سابقاً وتاريخياً على ترسيم حدوده البرية والبحرية كلها من جنوبها إلى شمالها، شاملة الحدود المتداخلة مع قبرص ولا ننسى مزارع شبعا المتنازع عليها مع كلا الفريقين الشقيق والعدو.

الحقيقة في مكانٍ آخر.. ليس كل ما يتمناه المرء يدركه..

ولعل الخوض في هذا الملف أصبح عقيماً وقد تحوّل إلى بازار سياسي.

سؤال إلى اللبنانيين لماذا لم يُستخرج الغاز في توقيته المناسب بعد الإجراءات القانونية لهذا الموضوع. أي لماذا لم يستخرج من البلوكات المعروفة موقعها: أكان شمالاً أم جنوباً ؟

بعيداً عن البلوكات المتنازع عليها والتي تحتاج إلى إتفاق، يستمر الحديث والنقاش وحتى الوصول إلى التحكيم الدولي كما فعلت دول أخرى، دون الانتظار وتحمّل الخسارة المعنوية والمادية، أضف ضياع الفرص المناسبة في تلك الأوقات، أم أن هناك فيتو لا يسمح للبنان باستخراج موارده.

أكتفي بالقول لهذا الملف الوطني بإمتياز والشائك في محتوياته وأقف عند هذا الحد.

عاش لبنان.. عاش حراً سيداً مستقلاً..

ـ الكاتب: المهندس شفيق ملك

المصدر: سفير الشمال


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal