روسوس (RHOSUS) ترسو في قعر مرفأ بيروت!… شفيق ملك

سفينة الموت، أحداث وتطورات تتالت، أحاول سردها، متناولاً وقائعها بالتسلسل المنطقي، وفك ألغازها إن أمكن حتى نلامس حقيقتها العارية.

سفينة متهالكة، صنع 1982 اليابان، أبحرت من ميناء (Batumi -Georgia) المطلة على البحر الأسود، في أيلول 2013، متجهة إلى (Beira, Mozambique) أفريقيا، تحت علم مولدوفا، غادرت جورجيا عبر بحر ايجه ـ مرمره، ورست في محطتها الأولى إسطنبول.

بدا كل شيء مجهولاً، كلا الهوية والاتجاه.

إن حمولة (2750 طن) من نترات الأمونيا شديدة التركيز، وشديدة الانفجار. تركيز أعلى من 40% مع إمكانية الانفجار .

(Above 40 percent of Concentration and Potentially explosives) هي السفينة ذاتها التي جلبت الجحيم إلى بيروت العاصمة.

أولى علامة الاستفهام ظهرت عند المحطة الأولى ، قبطان السفينة وطاقمها رفضوا المتابعة والإبحار بها، لأسباب مالية.

علامة الاستفهام الثانية ظهر قبطان آخر في تركيا عمل سابقاً على متنها أبحر بشحنتها دون تردد واتجه بها إلى اليونان (Port of Piraeus ( واستقرت هناك عدة أسابيع ، حتى بدء رحلة المجهول.

حوّل اتجاهها إلى مرفأ بيروت بطلب من مالكها رجل الأعمال الروسي والذي تخلّى عنها لاحقاً ، وهذا تبديل جوهري في مسار السفينة ، ممّا أثار الشك والريبة، لماذا هذا التغيير؟! تغيير المسار برمته بحجة وجود حمولة إضافية لمعدات ثقيلة (ADDITIONAL HEAVY MACHINERY) تحمّل على متنها مقابل مال إضافي لتسدّد هذه الأموال كرسوم تدفع عند عبورها قناة السويس. وكأن قناة السويس ظهرت فجأة على خريطة مسار السفينة في البحر الأبيض المتوسط.

المسافة التي تفصل جورجيا عن موزمبيق هي حوالي (7000 كم) تقطع بفترة زمنية حوالي الشهرين ، ومن جورجيا إلى بيروت حوالي (1400 كم) تقطع بفترة زمنية حوالي 4 أيام.

اللافت ان سفينة مثل روسوس تبحر مسافات طويلة بدون مسار محدد ومال كاف لعبور آمن.

رست أخيراً في بيروت، 21 نوفمبر 2013 وبدأ التحميل (THE ADDITIONAL CARGO) .

أليس من المفترض معرفتها مسبقاً؟ وأن يتم التحميل بواسطة متخصصين؟

علامة الاستفهام الثالثة ظهور انحناء في جسم السفينة عند (THE BEAM) فأجهضت الرحلة بكاملها. كيف حدث هذا؟

إشارات يجب التوقف عندها بتأمّل، المالك اشترى السفينة عام 2013 ، وكانت الرحلة الأولى لها ، فأختار لها بيروت، ميناء رست عنده، وأبت مغادرته ، غرقت ورست في قعر مرفئها دون قبطانها ، بحارتها ، وكذلك نترات الأمونيا ، المراد إيصالها إلى بيروت.. (ولو فرضياً). هكذا شطبت روسوس من السجل البحري نهائياً ، وخلفّت ورائها مآسي شعب بكامله.

الباخرة نفسها منعت سابقاً من دخول ميناء بيروت لماذا سمح لها الدخول لاحقاً ؟

مصنع النترات بيع بعد الانفجار، بما يقارب السنتين، واختفى كل من له علاقة بها صدفة أخرى . أيحدث كل هذا في عالمنا ؟ أم في لبنان فقط ؟

هل صدر تعميم حكومي رسمي أن الباخرة غير صالحة للملاحة وعدم الخروج من الميناء ولماذا؟

تفريغ الشحنة حصل بدون قبطان السفينة وطاقمها وهذا أمر غير مألوف. حجز السفينة لدى الجمارك هل هو إجراء منطقي ولماذا لم يسمح للباخرة بمتابعة رحلتها بعد فشل التحميل الإضافي ؟ أو العودة من حيث أتت ، وإن كان بواسطة (Tug Boats) لسحبها إلى خارج المياه الإقليمية اللبنانية ، مع مراعاة الإبلاغ عن الباخرة وحمولتها إلى من له صلة في حوض المتوسط بداعي الأمن والسلامة .

أما بخصوص التخزين ، يجب مراعاة قوانين السلامة العامة للمتفجرات وفق المعايير العالمية، وعدم تخزين الشحنة في مكان عام كالمرفأ المزدحم بالناس والعمال، وهو أمر غير مألوف وغير منطقي ، ويجب أن يكون بعيداً عن المدينة والسكن ، هل عرضت النترات كإجراء معتاد في المرفأ لمزاد علني ؟ وهذا حل أسدل الستار عليه ولم ير النور ، والأكثر أماناً لماذا لم تتلف الشحنة من قبل مختصين بعيداً عن المرفأ ؟

بخصوص عنبر رقم (12) هل كان مطابقاً للمواصفات ؟

هذه الأسئلة المشروعة وغيرها كثيرة يجب أن تطرح عند القضاء المختص .

أتخذ القرار بمغادرة كل من الربان وطاقمها إلى بلادهم على مرحلتين خلال 10 أشهر . انتهت الرحلة بمصادرة النترات من قبل المسؤولين اللبنانيين ، وأفرغت الشحنة لاحقاً ، بواسطة الجمارك اللبنانية وبأمر من القضاء اللبناني ووضعت الحمولة بكاملها في عنبر رقم (12)، وتحت الحراسة في عام 2014، وحررّت السفينة من كل قيد.

خلال تلك الفترة استمرت التجاذبات بين كافة الأطراف الرسمية والحكومات التابعة لها وعدة وزارات ، وتلتها الرسائل والتبريرات المضادة ، وكأن المشكلة الرئيسية هي تحرير طاقم السفينة روسوس ، وليس خطورة حمولتها .

تساءل كثير منا، بعد التحميل مباشرة وفشله ، لماذا لم تغادر السفينة فوراً مرفأ بيروت؟

بقيت السفينة لأجل مزيد من الدولارات كرسوم إضافية استحقت على الباخرة ولم تسددها وحجزت بسببه في حينه. وكأن التحميل الإضافي هذا (ولو فرضياً) معبر آخر لإبقاء السفينة دون إبحارها بعيداً عن لبنان ، بعيداً عن العاصمة… بيروت. (Sailing) الإبحار إلى وجهتها الأصلية صاحبة الحمولة في القارة الأفريقية (Mozambique).

أمّا المتفجرات فقد مكثت (6) سنوات دون رقيب وتحت الحراسة نظرياً في داخل عنبر رقم (12)، قنبلة موقوتة لتنفجر في أي وقت ، ما هو مقدار شحنة النترات التي فجرّت .؟ وأين الشحنات الباقية من أصل كميات النترات الأصلية ؟ هل تبخرّت في مرفأ بيروت ؟ أم تسللت من خلال جدار عنبر رقم (12) بعيداً عن بيروت العاصمة .

حدث ما حدث دون معرفة اللغز، أو سبب الانفجار، وما زال التحقيق القضائي الجنائي المختص سارياً حتى يومنا هذا، وإن كان شبه متوقفاً لأسباب سياسية.

بالرغم من أن عدداً كبيراً من الإعلام والصحافة والكتّاب والساسة تحدثوا مطولاً وأدلوا بتفاصيل وفرضيات تقدّر بمجلدات.

إن الحديث عن سفينة الموت تفرضه وقائع وتطورات، وإلزامية مقاربته بمسؤولية وطنية ولتضميد جراح أهل الشهداء، وكافة المتضررين والوقوف إلى جانبهم حتى صدور القرار الظنيّ والإصرار على مباشرة التحقيق، وتمسّك القضاء بسيادته واستقلاليته. أمّا اللغز الذي حيّر الكثيرين قصدت طريقة التفجير (Detonations)، يحتاج إلى مجلّد آخر للإحاطة به والكتابة عنه ، أقاربه هنا بعجالة تاركاً الموضوع للقضاء المختص يساعده لجان واسعة المعرفة في المجال العسكري.

الفرضيات كثيرة أختصرها بثلاث:

الإهمال ومسرحية التلحيم استبعدت. نظرية الحادث شائكة والبحث فيها طويل وهي تحت منظار القضاء وتحليله. نظرية الهجوم (Direct Attack) أدلى بها رئيس الولايات المتحدة الأميركية السابق ترامب ، والأرجح أن يكون هذا الهجوم من العدو الإسرائيلي ، سيّما مع حديث كثر أن الطيران الإسرائيلي كان يملأ سماء بيروت في حينه .

بعيداً عن التفاصيل، أرى أن إثارة هذا الموضوع في ظل التجاذبات القائمة حوله ومخافة أن يحدث شرخاً عميقاً بين اللبنانيين، ما يلزمنا جميعاً رفع الصوت مطالبةً بإظهار حقيقة ما جرى وفتح الأبواب أمام القضاء ليأخذ دوره باستقلالية ومهنية تزيل كل الهواجس ، معيب أن تفجيرا هز العاصمة ووصل صداه إلى محيط 240 كلم ، وأسقط 217 شهيدا و7000 جريحا ، 150 منهم ما زالوا يعانون، و300 ألف عائلة أصبحت بلا مأوى في حينه، بالإضافة إلى مئات المباني والمؤسسات التي دمرت ، خسارة قدرّت ب 15 مليار دولار ، من المعيب أن تبقى الأسئلة التي تطرحها هذه القضية الكبرى من دون إجابات ، في بلد يفاوض البنك الدولي على قرض بقيمة 4 مليار دولار أمريكي ، هذه المفارقة في بلد العجائب لبنان .

ارحموا القضاء اللبناني ودعوه يعمل بحرية … كفاكم تكبيلاً له … الحقيقة ناصعة … صعب طمسها .

الكاتب: المهندس شفيق ملك

المصدر: سفير الشمال


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal