تنشر “سفير الشمال” على حلقات كل يوم ثلاثاء دراسة حول طرح ″الحياد″ أعدها الباحث صبحي عبدالوهاب، وفيما يلي الحلقة رقم 22
من البداهة أن يعتبر حزب الله طرح فكرة حياد لبنان في المرحلة الراهنة طرحاً عبثياً، أو طرحاً غير واقعي لأسباب كثيرة. أول هذه الأسباب أن هناك فئات أساسية من مكونات الشعب اللبناني منغمسة في أنواع مختلفة من الانغماسات في الصراعات الاقليمية والدولية. فحزب الله يرى جهاد فاضل في موقع إيلاف الإلكتروني بتاريخ 13 تشرين الثاني/ نوفمبر 2006 وعلى سبيل المثال لا يخفي إرتباطه الأيديولوجي الوثيق بولاية الفقيه، ومقرها إيران، ولا يخفي إنحيازه الصريح إلي المحور السوري/ الإيراني. ولاشك في أن طرح فكرة حياد لبنان عليه الآن ستُقابل بالسخرية والرفض، وستُعتبر من قبيل الخيانة، إن لم تكن هي الخيانة بعينها. وبالإضافة إلي حزب الله، هناك أحزاب دنيوية أو سياسية كثيرة ترفض فكرة حياد لبنان شكلاً ومضموناً، وترمي من يدعو إليها بأقسي التهم. فهل حياد لبنان ممكناً؟ وهذا ما لا يمكن تصوره لا نظرياً ولا عملياً. فلبنان الساحة، أو لبنان المشرع الأبواب والحدود، أو لبنان كمنصة لإطلاق الصواريخ، أو لبنان المختبر والمخابرات، هو لبنان الذي اعتاد الجميع تقريباً علي التعامل معه. أما لبنان المحايد، علي نمط سويسرا في أوروبا، لبنان الواحة والثقافة والندوات والخدمات والمستشفيات والجامعات ومراكز الأبحاث ودور النشر، والعقلانية والحرية المحروسة والديمقراطية وسائر هذه الأسماء الفضلى، فهو لبنان ممنوع من الصرف وممنوع من التداول وممنوع منعاً باتاً. وحلال للآخرين أن يتعاملوا معه كدار حرب وساحة مثلى للانتصارات المستحيلة، في حين ينعمون هم بالراحة وبالخطاب الإعلامي أو الكلامي لا أكثر ولا أقل. وهذه المقاربة لموقف حزب الله من اطروحة الحياد اللبناني تجد جذورها في مرتكزات السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية وبالتحديد بالإستناد الى الإطار النظري لتكل السياسة التي أوضح نقاطها الإستراتيجية محمود سريع القلم الأستاذ المساعد في العلاقات الدولية في جامعة الشهيد بهشتي “خاروميانه” إيران على صفحات “شؤون الأوسط” في عددها رقم 141 في الصفحة 36 وما بعد الصادر في شتاء 2006 بحيث تمكن من تقسيم الأهداف الأساسية الكبرى للسياسة الخارجية الإيرانية وفقا للدستور الإسلامي الإيراني وأداء تلك السياسة الى ثلاث مستويات:
أولا: التنمية الإقتصادية والحفاظ على وحدة الأراضي الإيرانية والسيادة الوطنية كمركز محوري لدعم حركات التحرر.
ثانيا: الدفاع عن المسلمين والتعارض مع إسرائيل والغرب (لا سيما الولايات المتحدة الأميركية) خصوصاً انه لا بد من التذكير بسحب الجمهورية الإسلامية الإيرانية خلال النصف الاول من شهر آذار/ مارس 1979 لفرقتها ضمن إطار قوات الأمم المتحدة المؤقتة العاملة في لبنان كونها باتت تعتبر نفسها بعد الإطاحة بالملكية بلداً معادياً لإسرائيل بحسب ما أشار اليه الدكتور سليم حداد في الصفحة 129 من مؤلفه الأكاديمي حول قوات الطوارىء الصادر عن المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع / بيروت 1981 .
ثالثا: إيجاد مجتمع إسلامي على أسس الأصول الشيعية لمواجهة هذا المجتمع الذي يعيش في ظل تبعية سياسية ثقافية إقتصادية وأمنية ملحوظة.
أما عن السياسة الخارجية الإيرانية تجاه لبنان بالتحديد فيتجلى فيها بوضوح مفهوم “القوة الذكية”. فهنالك أكثر من أداة تستخدمها إيران فى سياستها الخارجية تجاه لبنان من قوة ناعمة وصلبة والجمع بين هاتين القوتين هو ما يقصد بمفهوم “القوة الذكية”. فداخل المنطقة توظف القضية الفلسطينية لتظهر بصورة المقاومة فتجذب مؤيدى تلك القضية، كما توظف “خاصة فى المنطقة العربية” المُرتكز المذهبى الشيعى كأحد أهم مكونات ثقافتها لتحقيق المزيد من المكاسب. وقد حاولت إيران أن لا تقتصر قوتها الناعمة فى سياستها الخارجية تجاه لبنان على المحدد الشيعى، بالرغم من اعتمادها الأول عليه، محاولةً استغلال وجود المشترك الحضارى التاريخى السياسى مع باقى الطوائف اللبنانية غير الشيعية، فأخذت تعمل على إيجاد قاعدة شعبية فى الداخل اللبنانى من خلال محاولة إيجاد أرضية مشتركة فى المجالات السياسية والإعلامية والثقافية.
إلا أنه يظل من الصعب فى ظل الظروف الداخلية اللبنانية التى تتميز بالطائفية الشديدة وعدم ثبات العلاقة بين تلك الطوائف أن تحافظ إيران على علاقتها بكافة الطوائف المتنافسة، وهذا التنافس هو أساس النظام السياسى اللبنانى، لذلك كان عليها أن تركز جهودها على ورقتها الرابحة، وهى النسبة الكبيرة إن لم تكن الأغلبية الشيعية فى لبنان. ومن خلالهم تستخدم كافة أدوات سياستها الخارجية خاصة أن حزب الله الذى ينتسب إليه السواد الأعظم من الشيعة بلبنان، يُعد أهم القوى الموجودة على الساحة اللبنانية ويسيطر على الحياة السياسية بدرجة كبيرة.
وتستمر إيران في تقديم دعمها لحزب الله حتى يومنا هذا، كأحد أقوى أدواتها فى الشرق الأوسط حتى أننا نستطيع أن نقول أن محاولات إيران الحفاظ على علاقات جيدة مع لبنان وإستخدام قوتها الناعمة التى ذكرنا أشكالها من قبل، هى فى حد ذاتها شكل من أشكال الدعم لحزب الله وهذا ما تم التركيز عليه في دراسة تناولت “المذهبية في السياسية الخارجية الإيرانية تجاه الشرق الأوسط (2003- 2015)” التي أعدتها الباحثة مرنا وليد محمد نصار في المركز الديمقراطي العربي بإشراف الدكتورة أميرة أبو سمرة.
فهل أدركت “ورقة التفاهم” بين حزب الله والتيار الوطني الحر المعلنة بتاريخ 6 شباط/فبراير2006 التي وقّع عليها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله ورئيس التيار الوطني الحر(آنذاك) العماد ميشال عون وفي كنيسة مار مخايل على تخوم الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت، أبعاد الإستراتيجية في سياسة إيران الخارجية؟ وهل إستطاع رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، بعد زيارته البطريرك الماروني في الديمان، بالرغم من تصريحه الذي جاء ملتبساً حمّال أوجه، إذ هو من جهة أيّد مطالبة الراعي بالحياد، ومن جهة ثانية سأل في أي اتّجاه يكون هذا الحياد، الذي اعتبر أنه يتطلب حواراً وطنياً جامعاً ليحظى بموافقة كل القوى السياسية حتى لا يشكّل حالة انقسام جديدة بين اللبنانيين. مصادر متابعة للقاءات الديمان رأت في حديثٍ مع “الأنباء” للحز التقدمي الإشتراكي أن موقف باسيل الضبابي كان قريباً من موقف رئيس الجمهورية، وهو يتضمن “مغازلة ضمنية” لحزب الله الذي لم يحدّد موقفه بعد، وهو “قريبٌ أيضاً من موقف الفريق السياسي الذي ينتمي إليه باسيل، من خلال اللعب على الكلام إرضاءً للراعي من جهة ومداراة للحزب وحلفائه من جهة ثانية”.
وهل يحتاج حزب الله الى غطاء مسيحي يوفره له التيار الوطني الحر أو أي تيار سياسي مسيحي آخر؟ في وقت ترى قراءتنا الإستراتيجية أن ما يمتلكه حزب الله من فائض للقوة لا يحتاج الى أي غطاء طوائفي في لبنان لا سيما المسيحي منه إذ مقاربتنا تكاد تختلف في حلقة لاحقة تختلف مع ما هو متداول في حركة التوازنات السياسية اللبنانية والعلاقة مع حزب الله.
مواضيع ذات صلة: