الحلّ الخارجي قدر لبنان منذ 100 عام وما يزال!… عبد الكافي الصمد

لم يصدر أيّ ردّ فعل او موقف رسمي أو سياسي يعتبر تدخّل سفراء دول أجنبية في الشّؤون اللبنانية الداخلية تجاوزاً لأصول العلاقات الديبلوماسية، تعليقاً على مغادرة كلّ من سفيرتي الولايات المتحدة الأميركية دوروثي شيا والفرنسية آن غريو إلى السّعودية لمناقشة الوضع في لبنان، ولا يتوقع أن يصدر أيّ ردّ أو موقف، ليس فقط شجباً لهذا التدخّل في شؤون البلد الداخلية، وإنّما أيضاً لتقاعس الأطراف المحلية عن القيام بهذه المهمّة، وانتظار ما يأتيها من الخارج لتنفذه.

جعل أبواب ونوافذ البلد مشرّعة أمام أيّ تدخّل خارجي ليس جديداً ولا طارئاً على لبنان منذ نشأته عام 1920، ومن يراجع تاريخ البلد سريعاً خلال المئة عام الماضية يخرج بنتيجة واحدة وانطباع عام، بأنّ البلد كان وما يزال أسير التدخّلات الخارجية القائمة والمستندة على إنقسامات داخلية عميقة، ونظام سياسي مأزوم.

عندما أنشىء الكيان اللبناني أيّام الإنتداب الفرنسي بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، على غير رغبة أبنائه، الذين كان كلّ منهم وما يزال يرى وطنه مغايراً للوطن الذي أعلنه الجنرال الفرنسي غورو في ذات أيلول من عام 1920 من قصر الصنوبر في بيروت، ظهرت الإنقسامات ومعها التدخّلات في لبنان مع كلّ ازمة، وتبيّن أنّ كلام التعايش بين أبنائه كان هجيناً، ومستعد للسّقوط عند أول تجربة جدّية.

في السّنوات الـ23 الأولى من عمر الكيان، قبل نيل إستقلاله عام 1943، كانت فرنسا ومعها بريطانيا بنسبة معينة، هما أصحاب الكلمة العليا في لبنان، وبعد خروجهما منه إثر انتهاء الحرب العالمية الثانية، إنتقل النفوذ الخارجي منهما إلى يد الولايات المتحدة الأميركية، والذي ما يزال مستمراً حتى اليوم، إنّما من غير أن يلغي ذلك أو يمنع دخول دول إقليمية لانتزاع نفوذ لها في لبنان، من مصر إيام جمال عبد الناصر، إلى السّعودية التي ما يزال نفوذها حاضراً، ومنظمة التحرير الفلسطينية، والعراق وليبيا نسبياً، فضلاً عن الكيان الصهيوني منذ نشأته عام 1948، وإيران منذ أوائل الثمانينات، فضلاً عن سوريا الحاضرة دوماً في لبنان بحكم التاريخ والجغرافيا والمصالح والعلاقات بينها وبينه على كلّ الصعد.

هذا التدخّل في شؤون لبنان الداخلية كان حاضراً دائماً، برغم أشكاله المتعدّدة، ويأخذ أحياناً طابع التسويات والإتفاقات بين هذه الجهات الخارجية، على غرار إتفاق الطائف عام 1989، وأحياناً اخرى كان لبنان يتحول إلى ساحة صراع دامية بينها، كما كان الحال إبّان الحرب الاهلية بين عامي 1975 ـ 1990، فضلاً عن صراع هذه الجهات الإقليمية والدولية، سياسياً، عند كل إستحقاق في لبنان، وتحديداً عند إنتخابات رئاسة الجمهورية، الإنتخابات النيابية وتشكيل الحكومة.

التدخّل الخارجي في لبنان لطالما اعتبره الجميع طبيعياً، برغم تميّزه طيلة الأعوام الماضية بصراعات محلية لم تتوقف يوماً، ففي حين كان هذا الطرف يؤيّد هذا التدخّل ويراه يصبّ في مصلحة لبنان، كان الطرف الآخر ينظر إليه على نحو معاكس، تبعاً للمصالح والإرتباطات الخارجية لكل منها.

اليوم إختلف الوضع. فجميع الأطراف الداخلية يخيم عليها صمت مريب إزاء التدخّل الخارجي، والكل ينتظر نتيجة هذا التدخل ليبني على الشيء مقتضاه، علماً أن من يتدخلون اليوم ويعتبرون من أهل الحل والعقد هم سفراء وليسوا مبعوثين أو وزراء أو رؤساء كما جرت عادة التدخّل سابقاً، وهو تراجع لا يعكس فقط حجم تراجع الإهتمام الخارجي بلبنان، بل إن القوى اللبنانية باتت ترتضي أيّاً كان لإخراجها من أزمات هي من تسبّب بها، وفشلت في حلّها فشلاً ذريعاً.


مواضيع ذات صلة:


Post Author: SafirAlChamal