تفاؤلٌ بسيط لا يبدّد المخاوف الكبيرة… عبد الكافي الصمد

قبل إعلان الرئيس سعد الحريري إعتذاره عن تأليف الحكومة بساعات، يوم الخميس في 15 تموز الجاري، ساد تفاؤل بإمكانية التوصّل إلى مخرج يساعد في ولادة حكومة إنتظرها اللبنانيون قرابة 9 أشهر، وأسهم هذا التفاؤل النسبي الحذر في انخفاض سعر صرف الدولار الأميركي مقابل الليرة اللبنانية إلى نحو 17 ألف ليرة، لكن هذه الأجواء الإيجابية عاشت بضع ساعات فقط، قبل أن يعلن الحريري إعتذاره ليقفز سعر صرف الدولار بعدها إلى أكثر من 22 ألف ليرة.

ترك هذا الإنهيار غير المسبوق للعملة اللبنانية في سوق الصرف إنطباعاً أنّ البلاد قد وصلت إلى حائط مسدود، وأنّ الحلول قد استنفدت بالكامل لإنقاذ لبنان من إنهيار شامل لم يعد ينقصه سوى “الإرتطام الكبير”، وهي وجهة نظر حذّر كثيرون من أنّه في حال حصولها فإنّ لبنان سينتهي وسيختفي عن الخارطة، وأنّ مصير البلاد والعباد في هذه الأرض سيكون مجهولاً.

هذا التشاؤم تراجع قليلاً بعد تحديد رئيس الجمهورية ميشال عون موعداً للإستشارات النيابية الملزمة، يوم الإثنين المقبل، أيّ أنّ رئيساً مكلّفاً ما يفترض أن يخرج بعد إجراء تلك الإستشارات ليباشر مهمة التأليف، ما قد يفتح نافذة صغيرة أمام الحلّ، ويسهم في إخراج لبنان نسبياً وتدريجياً من عنق زجاجة أزمة خنقته، وهي على وشك أن تكتم أنفاسه وتقضي عليه.

غير أنّ هذا التفاؤل النسبي والبسيط لا يمكن التعويل عليه إلا بشكل مؤقت، لأنّه في حال  جرت الإستشارات النيابية في موعدها وأسفرت عن تكليف شخصية سياسية سنّية معينة تأليف الحكومة، فإن هذه الشخصية سرعان ما ستواجه جداراً عالياً من العقبات والعراقيل من الصعب جدّاً القفز فوقه، يشبه الذي واجهه الحريري ومن قبله الدكتور مصطفى أديب، وبالتالي العودة إلى نقطة الصفر.

بناء على التجارب السّابقة، فإنّ اللبنانيين باتوا يخشون تكرار الأمر ذاته مجدّداً، إذ مع اقتراب موعد الإستشارات النيابية بعد يومين، ساد بعض التفاؤل الأوساط السّياسية أدى إلى انعكاسه نسبياً على السوق النقدية، جعل الدولار الأميركي ينخفض على نحو لافت أكثر من 1500 ليرة في غضون 24 ساعة، وهو مرشح للإنخفاض أكثر في حال تم التوصل إلى تكليف شخصية تتمتع بالثقة في الأوساط السياسية والمالية، وتحظى بقبول داخلي ودعم خارجي، ما يفتح كوة في جدار الأزمة السميك والمرتفع.

لكنّ هذا التفاؤل الحذر لم يبدّد المخاوف من العودة إلى نقطة الصفر من جديد، في ضوء تسريبات ومواقف مختلفة تشير إلى أن العراقيل التي يضعها رئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه السياسي ما تزال على حالها، وأنّ الشروط والشروط المضادة لم تتبدل، من تسمية الوزراء وتوزيع الحقائب وتقاسم الحصص، وآلية تسمية الوزراء، والتفاهم على تفسير بنود الدستور في هذه النقطة، فضلاً عن الثلث المعطل، وهي كلّها تفاصيل تكمن في كلّ نقطة منها شياطين كثيرة، ما سيجعل مهمة الرئيس المكلف الجديد في غاية الصعوبة في حال لم تتوافر أجواء تفاهم داخلية وخارجية تعمل على تسهيل مهمته، وإلا فإنّ الدولار سوف يواصل إرتفاعه الجنوني، وسيواصل لبنان إنحداره السريع نحو هاوية ما تزال حتى الآن بلا قعر لها.


مواضيع ذات صلة:


Post Author: SafirAlChamal