أحداث خلدة تدقّ ناقوس الخطر من الإنزلاق نحو صراع مذهبي… عبد الكافي الصمد

بينما كانت الأنظار متوجّهة إلى يوم الأربعاء المقبل لترقّب ما سيحدث على الأرض من تظاهرات وتحرّكات إحتجاجية في وجه السلطة، بمناسبة مرور الذكرى السنوية الأولى على الإنفجار الذي شهده مرفأ بيروت في 4 آب من العام الماضي، في ظلّ مخاوف من حصول تطوّرات وأعمال شغب على الأرض، إستقطبت خلدة الإهتمام على ما عداها من تطوّرات، وأثار ما شهدته اليوم مخاوف كبيرة.

تصدّر خلدة واجهة الأحداث نبع من قلق واسع على كلّ المستويات خشية أن تكون أحداثها مقدمة لصراع مذهبي، بذل جميع الفرقاء جهوداً كبيرة خلال السنوات الماضية لتجنّبه، لأنهم يدركون مسبقاً أنّ أيّ صراع مذهبي يأخذ طابعاً سنّياً ـ شيعياً ستكون نتيجته مدمّرة للبنان، وسيدخل البلد في أتون صراع لن يخرج منه سالماً.

وما أثار المخاوف اكثر أنّ أحداث خلدة كشفت إحتقاناً طائفياً ومذهبياً لا يطمئن أبداً، وأنّ أيّ شرارة تندلع في أيّ منطقة في لبنان من منطلق مذهبي كافية لإشعال البلد كله، ويكفي إلقاء نظرة سريعة على المواقف التي أطلقت تعليقاً على أحداث خلدة، وعلى ما تضمّنته منصّات وسائل التواصل الإجتماعي من تعليقات وردود وسجالات، حتى يلمس المرء حجم الجمر الموجود والمختبىء تحت الرماد، والذي تكفي هبّة رياح واحدة لتكشفه ولإشعال النّار في الهشيم.

وما يقلق أكثر هو المواقف والمعلومات التي تناقلتها وسائل الإعلام عن مسؤولين غربيين، تفيد أنّهم لا يمانعون سقوط لبنان وتركه ينهار، ليس إقتصادياً فقط، وإنّما أمنياً أيضاً، ما يثير شبهات حول وجود أصابع خفيّة تلعب على وتر الصراع المذهبي السنّي ـ الشّيعي، إضافة إلى صراعات البلد السّياسية وأزماته الإجتماعية والإقتصادية والمعيشية التي دفعت لبنان نحو قعر يصعب الخروج منه بسهولة.

لكنّ ذلك لا يعني رمي مسؤولية ما يحصل في لبنان على الخارج دائماً، وعلى نسج البعض مؤامرات عليه لضربه وانهياره، سياسياً وإقتصادياً ومالياً ومعيشياً وأمنياً، إنّما هناك مسؤوليات داخلية لا تخفى ولا يمكن إنكارها على المسؤولين في البلاد وأهل السلطة بلا استثناء، وهي مسؤوليات لا تقل عن مسؤوليات الخارج، ذلك أنّ الصراع السّياسي والإنقسامات، والفساد الذي طبع عمل أجهزة وإدارات الدوّلة كلها في السنوات الأخيرة، بعدما تسلمتها سلطة فاسدة وفاشلة ومجرمة بكل معنى الكلمة، كلّ ذلك أوصل لبنان إلى ما هو عليه اليوم، وأنتج بلداً منهكاً ومنقسماً على ذاته والآخرين ومفلساً وضعيفاً وعالة على مواطنيه والإقليم والعالم، بعدما جرى تدمير وتشويه كلّ شيء جميل فيه.

وإذا كان كلّ شيء في لبنان مسيّس، وأنّه إذا صلحت السياسة صلح كل شيء، وإذا توافق السياسيون نَعِم البلد بهدوء مصطنع، وإذا اختلفوا إنزلق نحو صراعات لا تنتهي، فإنّ الخوف الذي كان يساور البعض من “عرقنة” لبنان، أيّ نقل المشهد العراقي إلى لبنان بكل ذيوله وتداعياته، فإنّ مستقبلاً قاتماً جدّاً ينتظر لبنان واللبنانيين، سيجعل من ويلات الحرب الأهلية 1975 ـ 1990 شيئاً لا يذكر أمام ما ينتظر لبنان من أهوال إذا انزلق نحو حرب مذهبية.


مواضيع ذات صلة:


Post Author: SafirAlChamal