هل يدفع لبنان ثمن تأخّر حلّ ملفّات المنطقة؟… عبد الكافي الصمد

سادت أيّام الحرب الأهلية 1975 ـ 1990 مقولة أنّ لبنان تحوّل إلى ساحة لـ″حروب الآخرين″ على أرضه، وأنّ هؤلاء الآخرين في المنطقة والعالم إستغلوا إنقسام اللبنانيين على أنفسهم، سياسياً وطائفياً ومذهبياً وصراعات مصالح وطبقات إجتماعية وإقتصادية فاستخدموا ″الشعوب″ اللبنانية في حروبهم، وجعلوا منهم وقوداً في أتون معارك عبثية لم تنته إلا بعد دمار هائل لحق بلبنان على كلّ المستويات.

هذه المقولة التي ترسّخت في أذهان كثيرين زمن الحرب لم تتغير في زمن السلم، إذ تأكّد أنّ طيّ صفحة الحرب الأهلية لم تنته إلا بعدما توافق الآخرون الذين استخدموا لبنان “ساحة” لحروبهم على وضع حد لحرب مجنونة لم يخرج أحد منها رابحاً، بينما كانت الشعوب اللبنانية الخاسر الوحيد، موتاً وإعاقة وهجرة وتهجيرا ودمارا وانهيارا طال كلّ القطاعات بلا استثناء، وخرجت الدولة من الحرب أشلاء.

توافق “الآخرين” على إخراج لبنان من “حروبه” الداخلية وإيقاف حروبهم الدامية على أرضه ترجمت مرتين: الأولى في اتفاق الطائف عام 1989، والثانية في اتفاق الدوحة عام 2008، ما أعطى إشارات ودلالات سياسية بالغة الأهمية، لعلّ أبرزها أنّ مصير لبنان، سلماً وحرباً هو بيد الخارج بالمقام الأول، وأنّ أطراف الدّاخل ليسوا سوى بيادق وأحجار على رقعة شطرنج.

اليوم يعيد التاريخ نفسه مجدّداً في لبنان، فمنذ قرابة سنتين، وتحديداً منذ 17 تشرين الأوّل 2019 يوم اندلاع شرارة الحراك الشّعبي، إنزلق لبنان نحو هاوية لا قعر لها، وبدأ الإنهيار يتدحرج نزولاً مثل كرة الثلج، إقتصادياً ومالياً وإجتماعياً ومعيشياً، ما جعل البلد يعاني أزمة خانقة لم تعرفها سوى 3 دول بهذه الحدّة منذ 150 عاماً، وفق تقرير أصدره البنك الدولي في شهر أيّار الماضي.

لكنّ هذه الأزمة المتعدّدة الأوجه التي يرزح لبنان تحتها لم تكن سوى واجهة واسعة لصراع نفوذ بين دول إقليمية ودولية كان لبنان ـ لأسباب مختلفة ـ ساحة مناسبة لها لتصفية حساباتها، ولكن هذه المرّة تحوّل لبنان ساحة لـ”حروب الآخرين” على أرضه سياسياً وإقتصادياً وإعلامياً، وسط خشية أن يتحوّل هذا الصراع في لحظة ازدياد حدّة الصراع بين هذه الدول إلى حروب حقيقية يستخدم فيها السلاح، فيعود اللبنانيون إلى سيرتهم الأولى مجدّداً، كما في حرب 1975 ـ 1990، قتلاً وتدميراً وتهجيراً وهجرة وانقسامات وانهيارات على كلّ المستويات.

وما زاد الوضع حدّة هذه المرّة، وجعل المخاوف تكبر، أنّ الدول الإقليمية والدولية ما تزال تتصارع في ما بينها، لكن هذه المرّة ليس في لبنان وحده، بل في دول عديدة في المنطقة، من العراق إلى سوريا واليمن وليبيا، فضلاً عن فلسطين، القضية المركزية للصراعات كلها، فاشتعلت في هذه الدول حروب مدمرة، حتى بات الهمّ الأكبر اليوم هو بحث كيفية إطفاء هذه الحرائق في المنطقة، وعقد تسويات فيها، كونها تشكل خطراً وجودياً على الإستقرار والأمن فيها وفي العالم.

غير أنّ الصراعات في المنطقة ما تزال حامية، والحلول في الدول المعنية ما تزال بعيدة، وكون لبنان ليس أولوية على طاولة المفاوضات والتسويات، فإنّ أيّ تأخير في التوصّل إلى حلول لأزمات المنطقة يعني أنّ أزمة لبنان، سياسيا ـ حكومياً وإقتصادياً ومالياً ومعيشياً وإجتماعياً ستطول أكثر، وستجعل اللبنانيين يدفعون مجدّداً اثمان حروب الآخرين على أرضهم وفي المنطقة، وثمن تأخّر تسويات المنطقة .. وتسوية قضيتهم.


مواضيع ذات صلة:


Post Author: SafirAlChamal