تعافي لبنان إنْ حصل يحتاج جيلاً كاملاً… عبد الكافي الصمد

في شهر أيّار الماضي أصدر البنك الدولي تقريراً لافتاً ومتشائماً جدّاً حيال مستقبل الأوضاع في لبنان، أشار فيه إلى أنّ ″الأزمة الإقتصادية في هذا البلد يمكن أن تصنّف ضمن الأزمات الثلاث الأولى في العالم خلال الـ 150 عاماً الماضية″، ومع ذلك فإنّ أحداً من الطبقة السّياسية الحاكمة في البلاد لم يرفّ له جفن للتفكير في كيفية التعاطي جدّياً مع التقرير، والبحث عن سبل لإخراج البلد من القعر الذي سقط فيه.

التقرير، حينها، لم يكتف بذلك، إنّما صنّف أزمة لبنان على أنّها أسوأ من أزمة اليونان، التي شهدتها في عام 2008، وتسبّبت بتشريد عشرات الآلاف من الأشخاص وصرفهم من وظائفهم، ودخول سنوات من الإضطرابات الإجتماعية؛ وأكثر حدّة من الأزمة التي شهدتها الأرجنتين في عام 2001، والتي أسفرت أيضاً عن إضطرابات واسعة النّطاق في عموم البلاد.

التقرير السّابق أتبعه البنك الدولي بتقرير آخر قبل أيّام، نشرت جريدة “وول ستريت جورنال” ملخصاً عنه، أشار فيه إلى أنّ “إقتصاد لبنان ربما لن يعود إلى ما كان عليه من قبل”، ولفتت إلى أنّ “كارثة إنفجار مرفأ بيروت في 4 آب العام الماضي، وتفشّي فيروس كورونا قبلها، عمّقت الإنهيار الإقتصادي الذي يشهده لبنان منذ صيف 2019”.

وأضافت الجريدة نقلاً عن تقرير البنك الدولي أنّه “بات أكثر من نصف سكّان لبنان تحت خط الفقر، كما فقدت الليرة اللبنانية أكثر من 90 في المئة من قيمتها الفعلية أمام الدولار، فيما ارتفعت أسعار مواد وسلع أساسية بأكثر من 700 في المئة، كما عانى لبنان على مدى سنوات من سوء الإدارة الحكومية والفساد الذي تسبب في أزمة مالية في عام 2019، ما أدى إلى تخلّف البلد عن سداد سنداته لأول مرة منذ استقلاله عن الإنتداب الفرنسي عام 1943”.

واستعرضت الجريدة، حسب تقرير البنك الدولي، مشاكل كثيرة وبنيوية يعاني منها لبنان وتفاقمت في السنتين الأخيرتين، أبرزها في قطاعات الكهرباء، والطبابة والصحّة والإستشفاء، وفقدان ونفاد وارتفاع أسعار سلعاً غذائية أساسية، وفشل محاولات إصلاح الأوضاع ومحاربة الفساد، وتزايد مشاهد الفوضى والمشاكل اليومية والتسيّب الأمني، إلى حدّ أنّ البعض اعتبر ما يعيشه لبنان حالياً لم يشهده في أيّام الحرب الأهلية 1975 ـ 1990، إضافة إلى إحجام الدول والجهات المانحة عن مدّ يد العون قبل تحقيق سلسلة من الشروط والإصلاحات، لم يتحقق منها شيئاً، ما فاقم الوضع سوءاً.

كلّ ذلك دفع البنك الدولي للقول في تقريره إنّ لبنان “يأتي بعد تشيلي، التي احتاجت إلى 16 عاما للتعافي من انهيارها، عام 1926، وإسبانيا خلال حربها الأهلية في الثلاثينيات والتي استغرق تعافيها 26 عاماً”، حيث قدّر البنك الدولي أنّ لبنان “قد يستغرق ما بين 12 و19 عاماً للتعافي من أزمته”.

غير أنّ هذا التعافي، في حال حصوله، وبدء خطوات الخروج من الأزمة اليوم وفق خطط مدروسة، سيحتاج في لبنان إلى سنوات مضاعفة لتحقيقه، ما يعني أنّ جيلاً كاملاً على الأقل سيعاني من تداعياتها، وسيكون أمامه في هذا المجال خيارين كل منهما أمرّ من الآخر: أولهما التعايش مع الأزمة وتحمّل أعبائها بالرغم من أنه ضحيتها وليس المتسبّب بها، أو الهجرة.


مواضيع ذات صلة:


Post Author: SafirAlChamal