إهتز لبنان من الناقورة جنوبا الى وادي خالد شمالا بفعل الزلزال العنيف الذي ضرب تركيا وإمتد دماره الى سوريا، ووصلت هزاته الارتدادية الى منازل اللبنانيين الذين شعروا خلال ثوان قليلة وعصيبة في ظلام ليل دامس بدون كهرباء أن البلد الذي يتناتشه السياسيون ويعيش شغورا رئاسيا وتعم الفوضى أرجاءه بسبب خلافاتهم ومصالحهم وطموحاتهم، كان يحتاج ربما الى “درجة” واحدة وثوان إضافية لكي تسوى بعض مناطقه بالأرض على رؤوس أبنائها تماما كما حصل في المناطق التركية والسورية.
ربما أقنعت الهزات القوية اللبنانيين للوهلة الأولى بأن بين الحياة والموت لحظة، وأن الدنيا وما فيها من خلافات وتشنجات ومكائد لا تساوي شيئا مقابل ثانية من زلزال قد يطيح بكل أشكال الحياة ويحوّل المدن التي تضج حيوية والأبنية التي تأوي قاطنيها الى أنقاض تبحث فرق الإغاثة تحتها عن ناجين، لكن هذا الاقتناع يبدو أنه تبدد بعد ساعات قليلة من الهزات الارتدادية لزلزال تركيا، “لتعود بعدها حليمة الى عادتها القديمة”.
مع ساعات الصباح، راحت سكرة الزلزال وجاءت فكرة المصالح السياسية، حيث لم يتوان البعض عن إستغلال دماء الضحايا في سوريا وتركيا سواء للاستهداف السياسي أو لتوجيه رسائل معينة أو حتى للعب على التناقضات بين سوريا وتركيا وإسقاط ذلك على الواقع اللبناني.
وبالرغم من أن إجتماع الحكومة إزداد ضرورة على بنود جدول أعماله الضرورية لمعالجة تداعيات الزلزال، إلا أن التيار الوطني الحر إستمر في محاربة إنعقاده تحت شعارات الميثاقية والشراكة والدستور التي لم يعد لها قيمة أمام مآسي ومعاناة اللبنانيين، في حين إنضم رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الى المعارضة معتبرا أن “جلسة الحكومية غير قانونية”، مناقضا بذلك موقفا واضحا أطلقه قبل أسابيع حيث أكد أن إجتماعات الحكومة ضرورية لمعالجة قضايا الناس وأن آخر شيء يمكن أن نفكر فيه هو أن يستهدف الرئيس نجيب ميقاتي المسيحيين.
في المقابل لم يتوان البعض عن إستغلال الزلزال للامعان في إستهداف مقام رئاسة الحكومة من خلال التصويب على الرئيس ميقاتي على مواقع التواصل الاجتماعي باعتبار أنه قرر مساعدة تركيا دون سوريا، في حين أنه كلف الوزير ناصر ياسين التواصل مع الأتراك والوزير علي حمية التواصل مع السوريين وأجرى إتصالا بنظيره السوري معزيا وواضعا كل الامكانات اللبنانية المتوفرة بتصرفه، ما أظهر بشكل واضح أن متضررين من حركة ميقاتي حاولوا الرقص على مآسي دماء الضحايا لاستكمال الهجمة عليه.
كما تم الاستفادة من الزلزال في عقد إجتماع نيابي سني على شكل جبهة يسعى بعض الطامحين الى تشكيلها تثبيتا لحضوره، وفي قيام النائب جبران باسيل بالمزايدة على حلفائه في إظهار التعاطف مع سوريا ورفض العقوبات المفروضة عليها، كما إنسحب الأمر على القضاء حيث وجد المحقق العدلي القاضي طارق البيطار أن الفرصة مؤاتية لتأجيل جلسة الاستجواب للوزيرين السابقين نهاد المشنوق وغازي زعيتر، المقررة أمس، قبل أن يعلن تعليق هذه الجلسات من دون تحديد موعد جديد لها، لافتا الى ضرورة إيجاد صيغة نهائية لمعالجة الخلاف مع القاضي غسان عويدات.
كان يفترض بالزلزال وتداعياته على لبنان أن يشكل صدمة يستفيق معها المعنيون ويسارعون الى التخلي عن أنانيتهم والسماح للمواطنين أن يعيشوا بطمأنينة وإستقرار في ما تبقى من أعمار في ظل الحديث عن إمكانية تحرك خط الزلازل الذي يمر في لبنان، لكن يبدو أن بعض التيارات قررت خوض معاركها السياسية حتى آخر لبناني، في وقت برز فيه كثير من أعداء الداخل الذين إتخذوا من وسائل التواصل الاجتماعي منصات لتخويف اللبنانيين بأخبار ملفقة ومعلومات كاذبة، وصور مزورة فضلا عن نكات وسخرية في غير محلهما في ظل كارثة إنسانية يفترض أن يقف الجميع بكل خشوع أمامها.
Related Posts