الاستحقاق الرئاسي أسير الأزمة المسيحية!… غسان ريفي

يضغط الاستحقاق الرئاسي على كل الأطراف السياسية، وقد زاد من هذا الضغط الخطوة التي أقدم عليها النائبان ملحم خلف ونجاة صليبا بالاعتصام داخل قاعة مجلس النواب الى حين إنتخاب رئيس للجمهورية.

صحيح أن حراك النائبين قد لا يجدي نفعا خصوصا أن الأزمة الرئاسية أعمق بكثير من أن يحلها إعتصام نيابي داخل المجلس، لكن من شأنه أن يلفت أنظار المجتمع الدولي الذي يهتم بهكذا تحركات، وتأخذه “البروباغندا” التي يتقنها نواب التغيير الذين يجهدون منذ بعد ظهر أمس الأول من أجل إستدراج المواطنين الى الشارع إحياء لثورة 17 تشرين، لكن العدد القليل الذي حضر الى محيط مجلس النواب أكد أن هذه الجهود باءت بالفشل.

لم يعد يختلف إثنان على أن الأزمة الرئاسية هي مسيحية بإمتياز سواء على الصعيد السياسي أو على الصعيد الديني.

الكتلتان المسيحيتان المتمثلتان بالقوات اللبنانية والتيار الوطني الحر لا تلتقيان على مرشح واحد، ولا تطرحان مرشحا مقبولا، ولا تقاربان الملف الرئاسي بواقعية، وما يزال رئيس كل تكتل منهما يسعى الى أن تكون رئاسة الجمهورية من نصيبه سواء جبران باسيل أو سمير جعجع.

لا شك في أن باسيل يتخبط، فلا هو قادر على تسويق نفسه، ولا هو نجح في إقناع حليفه في دعم ترشيحه، ولا هو تمكن من طرح إسم على تكتله النيابي لتبنيه، ولا هو قابل بترشيح أحد أعضاء هذا التكتل بالرغم من وجود أكثر من مرشح جدي فيه، وهو اليوم يخوض معركة مع حزب الله شكلها الاعتراض على إجتماعات الحكومة ومضمونها الاعتراض على دعم رئيس تيار المردة سليمان فرنجية للرئاسة.

أما جعجع، فلا يختلف عن باسيل في الطموح للوصول الى رئاسة الجمهورية، لكنه أكثر واقعية منه في التعاطي مع هذا الملف لجهة ترشيح النائب ميشال معوض ومحاولة حشد الأصوات له من بعض الحلفاء والأصدقاء، لكن يبدو أن ترشيح معوض قد وصل في الجلسة الـ11 الى طريق مسدود بعدما نال أقل عدد من الأصوات وهو 34 صوتا، ما يؤكد أن إستمرار السير به لن يؤدي الى أي نتيجة ولا بد من إعادة مقاربة هذا الملف سواء بالخطة (ب) أو بعقد تفاهمات جديدة قد تساهم في تقديم مرشح جديد.

على الصعيد الديني، بات واضحا أن بكركي تغيب عن لعب دورها في هذا الاستحقاق وتكتفي بالشكوى من عدم إنتخاب رئيس للجمهورية وتبدي خشيتها على المناصب المارونية، وترفع الصوت ضد المعنيين بهذا الملف، من دون أن تبادر الى القيام بأي خطوة يمكن أن تذلل العراقيل المسيحية من أمام الاستحقاق الرئاسي.

تدرك بكركي أن الكتلتين المسيحيتين الأكبر في مجلس النواب تتنازعان وتخوضان حرب إلغاء سياسية ضد بعضهما البعض، رغم ذلك، يتحدث البطريرك بشارة الراعي في عظاته وبياناته منتقدا جماعة السياسيين الذين يعطلون الاستحقاق، ويتناقض في مواقفه تجاه إجتماعات حكومة تصريف الأعمال بين متفهم ومؤيد ومعارض، وقد رست بورصة المواقف أخيرا في بيان المطارنة الأخير على رفضها، كما يشير الراعي الى الأزمات المعيشية التي تتضاعف يوما بعد يوم، لكنه يتجاهل التعطيل المسيحي ويتأخر عن القيام بمبادرة تهدف الى جمع كل الأطراف المسيحية للحد من الخصومات الحادة والتوافق على “مواصفات رئيس” إذا كان التوافق على “إسم” صعب المنال.

وكان لافتا أيضا، أن بكركي التي يتطلع إليها اللبنانيون كبوصلة لتحديد الاتجاهات الوطنية، منحت نفسها في بيان المطارنة صفة الخبير الدستوري، ودخلت بشكل مباشر طرفا سياسيا في الصراع القائم، بتغطية مواقف هذا الفريق، ودعم توجهات ذاك، في الوقت الذي يفترض بها فيه أن تعمل على إعادة ترتيب البيت المسيحي الداخلي تمهيدا لإيجاد أرضية توافق وطنية تفضي الى إنتخاب رئيس للجمهورية يوفر عليها وعلى غيرها الكثير من الاجتهادات السياسية والدستورية. 


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal