العودة بالزمن قليلا إلى المجريات السياسية التي حدثت هذا العام وواكبت نتائج (أوبك بلس) تحديدا ما حدث من ردات فعل الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا ضد المملكة العربية السعودية، بخصوص قرارات الرياض من حيث عدم تجاوبها للطلب الأمريكي المُصرّ في زيادة إنتاج الضخ بكميات البترول.
هذا الموقف السعودي المميز كان استنادا لسياسة المملكة الحكيمة تماشيا مع بقية سياسات دول أوبك مجتمعة للحفاظ على توازن واستقرار سعر السوق العالمي للنفط.
مرت الأيام ولم تتطور الأحداث إلى مزيد من التباعد بينهما، تقابل الرئيس الأمريكي وولي العهد السعودي على هامش مؤتمر قمة المناخ في شرم الشيخ وانتظمت الأمور على مستوى مقبول بدون تصعيد.
فوجئ العالم بالأمس القريب بعد ذلك المنعطف لموضوع النفط بحدث أقوى وأشد تأثيرا، عاصفة هبت أعاصيرها من الشرق تحديدا. حَدَثُ هزَّ معظم العواصم الدولية.
ثلاث قمم عقدت في مدينة الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية، قمة صينية سعودية، قمة صينية خليجية وقمة صينية مع رؤساء الدول العربية المشاركة من ضمنها لقاء مُمَيَّز ثنائي بين الرئيس الصيني والرئيس نجيب ميقاتي، الذي توجه بكلمة مُعبّرة أشار فيها إلى القوى البشرية في العالم العربي من ضمنها لبنان: “إن عالمنا العربي الذي يملك كثيرا من المؤهلات البشرية والطبيعية هو من صلب اهتمام العالم وأولها الصين التي تربطنا بها أواصر صداقة وقواسم مشتركة “
الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أكد أيضا بدوره أن الدول المجتمعة في الرياض أسست للحضارة الإنسانية التي نعيشها. كذلك أكد أمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط أن الصين تعد اليوم الشريك التجاري الأكبر للعالم العربي.
وصف الرئيس الصيني قمة الرياض العربية الصينية للتعاون والتنمية، بأنها حدث مفصلي في تاريخ العلاقات بين الجانبين وستعود العلاقات والتعاون بين الصين والدول العربية نحو مستقبل أفضل.
قمة الرياض تؤكد تبعية تايوان للصين ومركزية القضية الفلسطينية وتمايز الصين عن الموقف الروسي بتبنِّيها الحل السلمي ورفض الحلول العسكرية بشأن الحرب القائمة بين روسيا وأوكرانيا.
قمة الرياض الصينية هي من أهم وأبرز قمم أنجزت بين المملكة والصين مع بعض الدول العربية الصديقة المشاركة حملت بين طياتها الأسس الثابتة في الحفاظ على الأمن القومي الإقليمي والاقتصادي لدى الدول المشاركة. أبرزها كان في الشأن اللبناني إذ أكد المجتمعون حرصهم على أمن واستقرار وحدة الأراضي اللبنانية وأهمية إجراء الإصلاحات اللازمة، الحوار والتشاور بما يضمن تجاوز لبنان أزمته. إلى جانب الملف اللبناني ملفات أخرى هامة ذكرت في البيان الختامي للقمة العربية الصينية لتؤكد ضرورة تضافر الجهود لحل أزمة ليبيا، مصر، العراق، سوريا واليمن.
القمة أكدت دعمها الثابت لدول الخليج وعودة شرعية دولة الإمارات للجزر الثلاث في البحر الأحمر. ناهيك عن التزام إيران بسلمية برنامجها النووي مؤكدة مبادئ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية المجاورة.
للتأكيد لبنان ممثلا بالرئيس نجيب ميقاتي على رأس القائمة وحاز على اجتماع ثنائي وجانبي على هامش القمم، ولو وصف بالقصير، مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في قصر سموه المُفضَّل (عرقة). فكان بمثابة ورشة عمل مختصرة يحاكي مشاكل لبنان وأزماته السياسية المتعددة.
بالمحصلة المطلوب من لبنان، حثّ وبدء أركان الدولة بالإصلاحات اللازمة في كل الأمور المطروحة. أهمها انتخاب رئيس للجمهورية في أسرع وقت ومن ثم حكومة فاعلة في تأكيد عودة إلى العلاقات الخارجية للبنان بمحيطه العربي بثوابت رئيسية تضمن أمن هذه الدول. الرئيس ميقاتي في قمة الصين العربية، أكد أن لبنان يتطلع إلى هذه القمة لتفعيل العلاقات مع الدول العربية والصين، لنا كل الآمال التعاون بيننا بما فيه مصلحة شعوبنا. في هذا الإطار يجب الاعتراف بمفاعيل هذه الزيارة إلى السعودية، وخلاصة القول أن دعوة ميقاتي إلى حضور قمة الرياض أعاد الأضواء من جديد على قضية لبنان المنسية، تطرح على طاولة البحث بين الدول الكبرى المعنية أي أمريكا، الصين، فرنسا، السعودية وقطر.
إن زيارة الرئيس ميقاتي أثمرت وفتحت ملف لبنان وأزمته الحادة من باب أوسع. للمغالين من الساسة في لبنان، كفى تصويب السهام على مجلس الوزراء ورئيسه، بأحقية الجلسة الوزارية أم ببطلانها. إن كان هناك بعض التجاوزات والسلوكيات في الشكل والمضمون من بعض البنود المطروحة للنقاش في المجلس الوزاري من حيث العدد والموضوع إنه يمكن علاجها دون التصعيد السياسي غير المبرر. يكفي ستة بنود رئيسية منها ثلاثة بنود خاصة بالاستشفاء والأدوية السرطانية كلها صالحة وتحتاج إلى تغطية من الحكومة المستقيلة وعقد جلسة رسمية لمجلس الوزراء لقوننتها أصولا. العودة إلى الدستور ونصه، كفى تأويلا بقراءة بنود الدستور اللبناني غب الطلب.
حمى الله لبنان وشعبه من مزيد من المآسي الحالية والقادمة من بوابة المستقبل المجهول.
عاش لبنان حرا سيدا مستقلا..
بقلم: المهندس شفيق ملك
Related Posts