الترسيم البحري … والتغيرات المنتظرة… شفيق ملك

ملف الترسيم البحري بين لبنان والعدو الإسرائيلي ملف ضبابي أبحر على ظهر مركب مجهول الهوية منذ أكثر من عشر سنوات. ادير هذا الملف المعقد بإشراف فريق من الساسة اللبنانيين مختلفي الانتماء. بعد مرور هذه السنين الطويلة، فاجأنا رئيس المجلس النيابي منذ عدة أشهر بإعلانه الشهير عن الوصول الى اتفاق إطار. بعد هذا الإعلان بدأت المفاوضات التي شهدت احداث ومفاجئات. تم هذا التفاوض بسرية لافتة وعبر أكثر من خط.

انجزت تلك المرحلة في اطارها المعلن، الذي سمي ب “اتفاق إطار التفاهم”، وتم تسليم هذا الملف الى رئيس الجمهورية اللبنانية المخول الأول للتفاوض دستوريا. 

وبضغط شديد من الولايات المتحدة الامريكية وفرنسا على السواء، وبرعاية منقطعة النظير، قاد هذه المفاوضات المفاوض الأمريكي المايسترو آموس هوكشتين، وسفيرة أمريكا في لبنان دوروثي شيا.

اتفاق الترسيم البحري للنفط والغاز، تم الوصول اليه بعيدا عن أي ضغوطات خارجية وحصار كما يحلو للبعض القول. فقد ثبت فعليا ان المنظومة السياسية في لبنان وتقصير الحكومات المتتالية في إدارة هذا الملف الهام، هما السبب الرئيسي في تأخير هذا الإنجاز.

يلحظ ان مشكلة الترسيم كانت قائمة منذ البداية عند بلوك 9، الحدود الجنوبية. فكانت أولوية سائدة وجرى الإضاءة عليها وانتهت بنجاح.

في حين ان بلوك 1 و2 ما زالا بدون ترسيم حتى الان ، وهما عند الحدود الشمالية السورية اللبنانية . التفاوض هنا مباشرة مع الشقيقة سوريا يبدو دون مشاكل مرئية. اما الحدود الشمالية المتداخلة مع قبرص فإنها تحتاج الى حلول سريعة.

في ختام هذا الملف، ما زال هناك خلاف في حدود المناظرات الكلامية بين الافرقاء السياسيين حول تباين قائم ما بين خط 23 وخط 29 البحريين، ايهما الاصح ؟ كل فريق سياسي لديه فرضياته المقتنع بها ولن نصل الى قاسم مشترك يرضي الجميع.

الرؤساء الثلاثة في لبنان وصلوا الى نتيجة ان خط 23 البحري هو الأسرع لعقد مثل هذا الاتفاق غير المباشر.

اعتقد ان الستار قد أسدل على هذا الملف الذي اعطى لبنان مساحة كبيرة من الاستقرار الجيو-سياسي عند الحدود اللبنانية الجنوبية.

من المتوقع ان تعلن في غضون أسابيع شركة “TOTAL” مع شريكتها “ENI” البدء بالتنقيب في المياه اللبنانية. هذا الامر يمكننا تبيانه بزيارة وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا الخاطفة الى بيروت واهتمام فرنسا الكلي لوضع لبنان الاقتصادي الجديد. وقد نقلت رسالة تهنئة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى الرؤساء الثلاثة، وذلك بانتهاء مفاوضات الترسيم البحرية الغير مباشرة بنجاح. كما اكدت على وجوب التأسيس للخطوات الضرورية بعد الترسيم، لكي تبدأ بها الشركة الفرنسية”TOTAL” ، من اجل تسهيل كافة اعمالها في الكشف والتأكد من نوعية الغاز والنفط وتقدير الكميات الموجودة، بالطبع الى جانب أمور سياسية أخرى بحثتها مع المسؤولين أبرزها الإصلاحات، انتخاب الرئيس وتشكيل الوزارة.

اتصل الرئيس الأمريكي جو بايدن هاتفيا بالرئيس ميشال عون مهنأ بإنجاز مهمة الترسيم بنجاح. وكذلك هنأت السفيرة الامريكية في بيروت الشعب اللبناني بإدلائها مباشرة بكلمات عربية “ألف مبروك”، وأعلن رسميا عن هذا الاتفاق بالواسطة من القصر الجمهوري.

اسقطت جميع الشعارات المتداولة بين جميع الافرقاء السياسيين. وسقط مع هذا الاتفاق القناع المتعدد الألوان.

بالمحصلة الترسيم ما كان ليحدث لولا الأحداث الإقليمية والدولية. وما سرع هذا الملف هو غزو وحرب روسيا على أوكرانيا، وكذلك حجب مادة الغاز عن أوروبا قاطبة. بالطبع جهوزية إسرائيل بالبنى التحتية اللازمة لتصدير الغاز الى أوروبا مباشرة بدون مصاعب، ساهمت أيضا في إنجاح هذا الملف.

ان أهمية الترسيم البحري المعلن هو بمثابة انهاء النزاع على الحدود البحرية اللبنانية الجنوبية وهو انجاز دبلوماسي.

الاتفاق يدشن حقبة جديدة من التعاون الإقليمي ويعزز الرخاء والامن والاستقرار. ويؤكد وقوف الولايات المتحدة الأمريكية، الضامن الوحيد، الى جانب لبنان لتحقيق الاستقرار وتمكينه من تعزيز اقتصاده والاستفادة من ثرواته النفطية والغازية، حسب ما أكد بايدن في اتصاله الهاتفي مع الرئيس عون، وما جاء في المؤتمر الصحفي للسفيرة الامريكية في لبنان.

عاش لبنان حرا سيدا مستقلا

الكاتب: المهندس شفيق ملك

المصدر: سفير الشمال


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal