دوافع ومحركات النزاع الإيديولوجي في الحرب الروسية الأوكرانية(9)… صبحي عبد الوهاب

تقول ميغان غيبسون المديرة التنفيذية لمجلة نيو ستيتسمان (The New Statesman) البريطانية  في ترجمة الجزيرة نت العربية أن انطباع فوكوياما عن أوكرانيا ” قد تطور خلال الزيارات اللاحقة. وقال “ابتداء من عام 2014، بدا لي حقا أن هذا كان الخط الأمامي لنضال أوسع من أجل الديمقراطية، مشيرا إلى الفساد المتفشي واستمرار حكم القلة في السلطة. ولكن بعد العمل مع جيل أصغر من الأوكرانيين المؤيدين لأوروبا، وجد أنه كان في الواقع ملهما للغاية، لأن كثيرا من هؤلاء الأشخاص كرسوا أنفسهم لمحاولة إيقاف الفساد وجعل مؤسسات الدولة تعمل بشكل أفضل”.

في الأسابيع الأخيرة، أصبح إلهام الأوكرانيين معتادا في الغرب، حيث انتشرت الخطب التي ألقاها الرئيس فولوديمير زيلينسكي ونشرت صور الأوكرانيين العاديين الذين يستعدون للانضمام إلى القتال على نطاق واسع على الإنترنت. ويتعاطف فوكوياما مع هذا الدافع ومع محنة أوكرانيا، لكنه يحذر من أنها ليست ظاهرة عالمية، حتى بين الدول الديمقراطية ظاهريا. ويستشهد بالهند وجنوب أفريقيا كدولتين رفضتا حتى الآن إدانة الغزو الروسي.

وأعرب عن إعتقاده بأن هناك العديد من البلدان حول العالم التي تنبض فيها ذكرى الظلم الذي ارتكبته الدول الغربية، مقابل الذكريات عن دعم الاتحاد السوفياتي لحرب حزب المؤتمر الوطني الأفريقي ضد الفصل العنصري، على سبيل المثال.

وأضاف بأنه لا يوجد تضامن حتمي بين البلدان الديمقراطية الليبرالية، فلكل بلد تجربة تاريخية مختلفة، لذلك سيكون لديهم تفضيلات مختلفة، لا سيما فيما يتعلق بالسياسة الخارجية.

وتمضي غيبسون لتثير موضوعا آخر، فتقول إنه في حين أن الآراء المختلفة قد تكون مقبولة، فقد أبرزت مرة أخرى الخلل الوظيفي لبعض الهيئات المتعددة الأطراف، وبالتحديد، مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذي رفض في 25 فبراير/شباط 2022 مشروع قرار بشأن إنهاء الحرب الروسية على أوكرانيا؛ واعترض الاتحاد الروسي، وهو عضو دائم، على مشروع القرار، بينما امتنعت الصين والهند والإمارات عن التصويت.

وقال فوكوياما حين\اك وبصراحته المعهودة عن مجلس الأمن “إنه لا يعمل الآن، أعتقد أنه لا يمكنك وضع كل بيضك في سلة منظمة عالمية واحدة، لأنه لا يوجد إجماع كاف بين البلدان في جميع أنحاء العالم، خاصة عندما يتعلق الأمر بالقضايا السياسية، هل عملت هذه الهيئة من قبل؟ الفترة الوحيدة التي بدت فيها أنها قد تكون مفيدة كانت في أوائل التسعينيات، بعد إنهيار الإتحاد السوفياتي السابق، عندما بدا أنه يمكنك بالفعل إقناع الأعضاء الخمسة الدائمين بالاتفاق فعليا على شيء ما”، لكنه حذر الآن في المرحلة الراهنة “ليس لديك أي آمال حول ما يمكن أن يفعله”.

قد يكون فوكوياما قد سئم من اتهامه خطأ بأنه مخطئ، كما ذهبت “الجزيرة نت” في ترجمتها العربية، لكن هل يقلق يوما من أن يثبت خطأه؟ قال إنه بالطبع سيقلق، لكن ليس من باب التشكيك بعمله، بدلا من ذلك، سيقلق بسبب ما ستكون عليه التداعيات على العالم، معتبرا إن “كابوسه النهائي” هو عالم تقوم فيه الصين وروسيا بتسخير بعضهما البعض، وربما يكون ذلك مع تعزيز الصين لحرب روسيا وشن بكين غزوها الخاص لتايوان.

وقال فوكوياما لو حدث ذلك، وكان ناجحا، “فعندئذ سنعيش حقا في عالم تهيمن عليه هذه القوى غير الديمقراطية. إذا لم تستطع الولايات المتحدة وبقية الغرب منع حدوث ذلك، فهذه حقا نهاية نهاية التاريخ”.

وهذا ما يتوجب علينا نحن بأن لا يغيب عن قراءتنا للفكر السياسي الغربي أن هناك بالمقابل بالرغم من إستعجال منظرو “الليبرالية ” التبشير بتهاوي الفكر الأيديولوجيّ الشموليّ الواسع لاستحواذ الحياة الدنيا، وإلغاء مجال حركة الإنسان، وتكبيل وجوده المدنيّ، وتأطير قدرته على الاستقلاليّة الفكرية.

وبتأصيل الاتّباع في الممارسة، أوقتل الزمن الحرّ أو أيّ فكرة حرّة للإبداع. هناك ما يسمى بالديمقراطية الكلانية Dėmocratie Totalitaire التي أشار اليها بداية كمصطلح إستخدمه برتران دو جوفينل Bertrand de Jouvenel في الفصل الرابع عشر من مؤلفه عن السلطة الصادر في العام 1945.

Du pouvoir : Histoire naturelle de sa croissance, Éditions du Cheval ailé, Genève/ 1945/

حيث يذكر الباحثون أن سيادة الشعب ليست سوى وهم كبير وهو على المدى البعيد اكبر مدمر للحريات الفردية

وهذه الفرضية ربطها في يوم من الأيام الرئيس الجزائري الراحل أحمد بن بلة بنتاج إحتلال العقل الديكارتي الرياضي المرجع الأخير لكل فلسفة ولكل حقيقة وان العقل بالمفهوم الغربي هو المركزية المطلقة وهو نتاج أوروبي اي ما يعني في صورة أخرى أن أوروبا هي مركز الحقائق بيد أن ذلك كله قائم على ميتافيزيقا العقل الذي لا يعترف أحياناً بالتباين والإختلاف ويلعب دور العقائد لكل شيء بكثير من المنهجية والإنضباط والقياسات. إن العقلانية يتابع بن بللا قائلاً:” لم تؤد إلا الى التجميد والجمود. فقد أصبح كل شي ء منظماً ومركزاً ومبرقطاً هذا هو الجمود بعينه أصبح الواحد منهم يرى بلدانا بكاملها تهلك بالمجاعة ولا يحرك له ساكناً بينما هو يرمي كميات كبيرة من الحليب في البحر. لماذا؟ حتى لا تنخفض الاسعار وحتى تتضاعف الأرباح. لقد إنتهى الإنسان الحقيقي منذ أن عممت الدولة والأرباح والتنافسات والتناحرات ومنطق الإستهلاك فخلقت الإنسان المصنًع concentrė يولد ذلك الانسان من بطن أمه ولكنه يولد في الغرب كما تولد أية عجلة سيارة. إنه يعرف مستقبله يقيس رغباته حسب السوق يقيس طموحاته حسب البورصة. وكما يقيس درجة حرارته يعرف انه سيعيض وقتا كالبقية ثم يمضي دون أحلام دونها رغبات. إنه الإنسان الآلي الذي لا يمتلك لا خيارته ولا نفسه إنه آلة إستهلاكية”.

ويقول هوبرت سايبل مؤلف كتاب “بوتين – رؤية مغايرة للسلطة” ” إن أحداث أوكرانيا ساهمت في جعل ظاهرة فلاديمير بوتين مثال الشر.فقد تم التخطيط للنزاع الأوكراني منذ البداية وقد وصف على انه صراع الخير ضد الشر ، كما حصل في المعركة البطولية للتجمع الديمقراطي العالمي ضد الطاغية في الشرق. إنها إستعادة لصورة تعود أبوتها الى الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغن عندما وصف لأول مرة الإتحاد السوفياتي ،أمام تجمع من البروتستانت الإنجيليين الأصوليين، على انه “إمبراطورية الشر” وهذا ما تجلى مع بوتين حينما كانت ردة فعله على المتظاهرين في قلب العاصمة الأوكرانية كييف بضم القرم الى روسيا ووصف بوتين حينذاك تبعاً لكبير من سياسي الولايات المتحدة الأميركية هنري كبسنجر حيث قال ليست أبلسة فلاديمير بوتين إستراتيجية، إنه “غدر” ، وذلك لعدم وجود إستراتيجية لكن هذا الغدر هو في الوقت نفسه سلاح سوف يكون موضوعاً للشهية التي ألهمت بوتين في شن حربه على أوكرانيا ومنذ إندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا يحاول نقاد وكتاب استكشاف أوجه التأثير الفكري التي قد تكون ألهمت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قرار الحرب، إضافة إلى الأبعاد الجيوسياسية والإقتصادية والعسكرية المعروفة.


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal