المواطن اللبناني يعيش فصولا من القهر على أرض الوطن، حديثه الكهرباء صبيحة كل يوم، متألماً متسائلاً عن فترات التغذية الكهربائية، متى تبدأ.. متى تنقطع..، أهو الاشتراك؟ أهو المولد الخاص؟ أم أنه الزائر المفاجئ، أعني كهرباء الدولة.
مرت أيام كثيرة كانت (صفر) ساعة تغذية يومياً، من دون إجبار أصحاب المولدات بقبول تركيب عداد ذكي لكل مواطن مشترك لتحديد كمية الاستهلاك باليوم الواحد، أي (كيلو واط ساعة) وذلك لتخفيف الكلفة الإجمالية بالشهر، بالأسعار المتداولة عن سعر الأمبير الواحد وسعره بالدولار، المرتفع والمتغير يومياً دون معرفة الأسباب وهذا كله من مهام وزارة الطاقة حصراً .
الحديث عن الكهرباء واقتراب أشهر الصيف الحارقة خلال ساعات النهار والليل على السواء جزء من المعاناة اليومية تترافق مع مسلسل الحرائق الصيفية الملتبسة حيث شاهدناها بالأمس القريب تلتهم أجمل غابات الصنوبر في ربوع منطقة الضنية بلد الحرمان ومثيلتها منطقة عكار. الحرمان في لبنان صبغة شماله وعاصمته طرابلس التي أزيح عنها قسراً صفة (الفيحاء)، فأصبح البعض المتفلت يطلقون عليها (مدينة الأشباح) ليلاً حيث يلف الظلام الحالك جميع أرجائها، من مدخلها جنوباً حتى شمالها.
طرابلس.. مدينتي.. كنا صغاراً نطلق عليها (الفيحاء) العاصمة الثانية، للبنان الوطن.
وأي عاصمة ثانية… لا كهرباء فيها، لا ماء، ولا إدارات حكومية منتجة، مدارسها وجامعتها مهددة بالإغلاق ولو جزئياً. فلا تجد سوى مواطنين يتقلبون ويتألمون.. متاهة وجوعاً ومرضاً.
الدولة غافلة، نائمة في سبات عميق، وحده الجندي المجهول الوفي لوطنه ومدينته، متمثلاً في الجمعيات الوطنية المحلية أهل الخير وكذلك الساحر العجيب عن بعد ذلك الساهر على جميع أبناء المدينة ألا وهم أبناء طرابلس في الاغتراب.
نعم يتحدث الجميع عن الكهرباء، الجميع همّه الكهرباء، والحكومة الحالية أخبرتنا وقت تأليفها أن التيار الكهربائي في لبنان في حينه سينطلق في آخر شهر ديسمبر (2021) وبتغذية مقدارها (10) ساعات يومياً… فماذا حدث…؟ نام الشعب كله على أحلام سعيدة، وفجأة وبدون مقدمة، شاهدنا جميعاً سجالاً طويلاً على شاشات التلفزة، ونقاش حاد دون فائدة، وتصاريح و تصاريح مضادة، كل ذلك والعتمة قائمة.
أخيراً أدلى وزير الطاقة الحالي في الإعلام أن دفتر الشروط الخاصة بإنشاء معامل الطاقة يحتاج من الإستشاري المؤهل إلى (13) شهراً لإعداده وذلك لأهميته ودقته وشفافيته، ومن ثم نحتاج إلى (24) شهراً لبناء هذه المعامل أي بإجمالي (37) شهراً من تاريخ البدء في هذا المشروع. حتى الآن لم نسمع تأكيداً وتفصيلاً عن مرحلة التصميم وقدرة المعامل الإنتاجية الكلية.
حسب الجدول الزمني المقترح لبناء هذه المحطات المقترحة حتى اليوم لم يعتمد لم يناقش لم يصدر رسمياً.
ما هي الفترة الزمنية لتحقيق المطلوب؟
أضاف معالي الوزير .. إني أحبكم … أيها الشعب العزيز، قد أنتقل إلى الطاقة البديلة النظيفة حتى أوفر من التكاليف الباهظة بسبب تداعيات حرب أوكرانيا الدائرة، وارتفاع أسعار الغاز وقدرتنا الحصول على هذه الطاقة.. وأكتفي بهذا القدر من الخبر.
معالي الوزير… أود أن أذكركم أن حرب أوكرانيا مضى عليها (4) أشهر فقط ، في حين وزارتكم المبجلة بدأت منذ ( 7) أشهر… أي قبل اندلاع الحرب الأوكرانية، عجباً لهذه المفارقات.
أين نحن إذا الآن؟ العالم بأجمعه على شتى المستويات الاقليمية والدولية، الصديقة وغير الصديقة، يراقبنا ويتابعنا ويشد على أيادينا بالبدء والمضي في هذا المضمار وفي هذه المرحلة المصيرية.
بالعودة إلى بداية هذا المقال، وعنوانه العريض الواضح دون شك، (أصحاب المعالي … أصحاب السعادة… أين الكهرباء في لبنان؟!) .
الإجابة عن هذا كله، نجد أنفسنا أمام فريق سياسي واحد متصلب الرأي، مؤلف من (6) وزراء طاقة تباعاً عملوا سابقاً مدى (13) سنة على هذا الملف الهام، وأنفقوا (40) مليار دولار أمريكي، دون بناء أي محطة كهرباء. أضف أن (3) ثلاثة من الوزراء المعنيين قد تمّ مكافئتهم ب (bonus) جديد إضافي إذ انتخبوا من الشعب اللبناني نواباً في المجلس النيابي الحالي.
ما زال هذا الفريق ينادي فرحاً بشعار بالٍ مضى عليه الزمن، حيث لا إصلاح ولا تغيير.
وحصل المواطن اللبناني أخيراً على صفرلا بل (1-2) ساعة تغذية كهرباء حتى الآن وبجهد جهيد لهذه النتيجة، وحتى الآن لم أدل بشيء جديد سوى توصيف للحقيقة العارية .
نداء قوي إلى نواب الشعب الجدد، ونواب التغيير كونوا أهلاً لهذا الملف لتكونوا بمستوى الثقة التي منحتم .
تحركات وفد الصندوق النقد الدولي تنبؤ بإيجابية بخصوص المفاوضات اللبنانية بمساعدته بقيمة (3) ثلاثة مليارات دولار أمريكي، للخروج من أزمة لبنان الاقتصادية والمالية، ودعم خطة الإصلاحات لإعادة النمو والاستقرار المالي، وإصلاح القطاع العام ومؤسساته، وخاصة قطاع الكهرباء لاعتباره أهم مرفق حيوي لتشغيل كافة المرافق العامة في لبنان .
هذه الأحداث وما آلت إليه من تعقيدات أشبه بلوحة قديمة، خطوطها نقلتني عبر سنين مضت طواها الزمن.
هي رواية خيالية معبرة ومستوحاة من الحكم العثماني مسرحها أرض لبنان القديم.
شاب مغرور طموح لا يهمه سوى الوصول إلى كرسي الحكم يخاطب عمه (الحاكم بأمره).
عمي: كم أنا ممتن لأبي لأنه سماني باسم (ولي)
العم مستغرباً: لماذا يا بنيَ؟
الشاب يقول لعمه : عندما نضع (ألفاً) بعد (الواو) سأصبح (والي) مباشرة، دون المرور وأكون (قائم مقام) ومن ثم (متصرف) .
هذا هو حالنا في لبنان بلد العجائب، يبدو أن أصحاب المعالي.. أصحاب السعادة.. في مكان ما وقضية ملف الطاقة والكهرباء في مكان آخر. فلينتظر الشعب اللبناني (3 -4) سنوات قادمة لاستقبال الكهرباء، إن حدث هذا في المستقبل.
خلاصة القول، يبدو أننا ضحايا توريث يعمل عليه بقوة ضارباً عرض الحائط بكل تطلعات اللبنانيين.
حمى الله شعب لبنان.. وعاش لبنان حراً سيداً مستقلاً..
Related Posts