التلاعب بالدولار: لبنان بلدٌ أم صالة قمار؟… عبد الكافي الصمد

يوم الجمعة الماضي، وفي سابقة لم يعرفها لبنان أو أيّ بلد في العالم على الأغلب، إنخفض سعر صرف الدولار الأميركي أمام الليرة اللبنانية 9 آلاف ليرة في خلال ساعتين فقط، من 38 ألف ليرة إلى 29 ألف ليرة، ما طرح تساؤلات عديدة حول الأسباب التي أدّت إلى هذا التراجع الخارج عن منطق علم الإقتصاد والمال وأسواق البورصة، لأنّ العملة الأميركية في العالم لم تتراجع، ولا الإقتصاد اللبناني المنهك إستعاد عافيته وثقة الناس فيه، في الداخل والخارج، حتى تستعيد الليرة اللبنانية في ساعتين قرابة 25 في المئة من قيمتها في السّوق السّوداء.

يوم أمس الثلاثاء، وبعد خمسة أيّام على المشهد الدراماتيكي الذي حصل يوم الجمعة، تكرّر المشهد مجدّداً، لكن هذه المرّة في الإتجاه المعاكس، أيّ صعوداً في سعر صرف الدولار وليس إنخفاضاً، فما كادت جلسة إنتخاب الرئيس نبيه برّي رئيساً لمجلس النوّاب للمرّة السّابعة على التوالي، وانتخاب النائب الياس أبي صعب نائباً له، حتى ارتفع سعر صرف الدولار أمام الليرة اللبنانية خمسة آلاف ليرة دفعة واحدة خلال عدة ساعات لا تتجاوز عدد اصابع اليد الواحدة، من 28 ألف ليرة إلى 33 ألف ليرة.

ما حصل يومي الجمعة والثلثاء بدا أقرب إلى لعبة قمار ومراهنات ومضاربات في السّوق السوداء في بلد خرجت فيه الأمور عن السّيطرة والمنطق وقواعد علم الإقتصاد وسوق المال والبورصة، وليس أمراً طبيعياً معتاداً، وأعطى مؤشّرات خطيرة عن حجم التلاعب بسعر صرف العملة الوطنية في السّوق السّوداء، وانهيار الإقتصاد المحلّي، وفقدان أيّ ثقة به من اللبنانيين وغير اللبنانيين، وبمستقبل الإقتصاد اللبناني في المرحلة المقبلة، سواء على المدى القريب أو المتوسط أو حتى البعيد.

في أيّ بلد طبيعي في العالم ويملك الحدّ الأدنى من سيادة سلطة القانون والرقابة والمحاسبة، فإن أول أمر وارتداد يحصل فيه إذا حصل التلاعب المذكور في سعر صرف عملته الوطنية، هو إستقالة الحكومة أو زير المالية فيها على الأقل، ومعه حاكم المصرف المركزي، واقتياد المتلاعبين بسعر صرف العملة الوطنية والإقتصاد المحلي إلى المحاكم أو السجن، وفرض رقابة شديدة على عمل المصارف، ومحاسبة المتورطين منهم في عمليات المضاربات في السّوق السّوداء.

لكن للأسف فإنّ أيّ شيء من ذلك وغيره لم يحصل، ولم يتخذ أي تدبير أو إجراء إداري أو قانوني بحقّ أحد من المسؤولين، وبقي الجميع في مواقعهم وعلى كراسيهم وكأنّ شيئاً لم يكن، وبقيت دورة الحياة على حالها من التخبّط والضياع والفوضى والإرتباك، من غير أن يلوح في الأفق القريب أو البعيد أي بصيص أمل لخروج لبنان من النفق المظلم الذي رُمي فيه.

ما حصل في لبنان يومي الجمعة والثلاثاء في أيّ بلد لقامت فيه الدنيا ولم تقعد. في لبنان حصل ما حصل، ويتوقع حصول الأسوأ مستقبلاً، غير أنّ أهل السلطة بقوا مرتاحين على أوضاعهم، وعلى كراسيهم .. وعلى مستقبلهم.


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal