الإنتخابات لم تلجم التدهور والأيّام المقبلة أصعب… عبد الكافي الصمد

لم تسهم الإنتخابات النيابية، كما يبدو واضحاً، في لجم الإنهيار المالي ووضع حدّ لتفاقم الأزمة المعيشية التي تضرب خناقها على أعناق وصدور اللبنانيين، تجعلهم يضربون أخماساً بأسداس عند كلّ صباح ومساء، ويمشون في الطرقات والشّوارع شاردي الذهن، أو يحدّثون أنفسهم كما يفعل المجانين وفاقدي العقول، بعدما سدّ اليأس والإحباط كلّ أبواب التفاؤل في وجههم.

قبل إجراء الإستحقاق النيابي في 15 أيّار الجاري، ظنّ كثير من اللبنانيين للوهلة الأولى أنّ الإنتخابات ستكون كوة أمل وستخرجهم من أزماتهم الضاغطة، وأنّها ستضع حدّاً للإنهيار نحو هوّة سحيقة، وستكون سبباً في تخفيف الأعباء عن اللبنانيين، وإعادة دورة الحياة إلى طبيعتها كخطوة أولى، وإيقاف تحلل الدولة والمؤسّسات والمجتمع.

تجديد الحياة السّياسية عبر إجراء الإنتخابات النيابية اعتبر بنظر البعض، قبل الإنتخابات النيابية، مدخلاً للإستقرار السّياسي والمالي والإقتصادي والمعيشي، وإنعاش مختلف القطاعات الإنتاجية ولو على نحو جزئي، لكنّ هذه النظرة التفاؤلية سرعان ما تبدّدت وحلّت مكانها نظرة سوادوية توقع أصحابها أن تكون المرحلة المقبلة أشدّ صعوبة وقتامة من المراحل السّابقة كلّها بلا استثناء، إنطلاقاً من أنّ الإنتعاش المالي الذي حصل خلال فترة الإنتخابات من ضخّ أموال إنتخابية في المقام الأول، سيكون مؤقتاً ولن يدوم طويلاً، وأنّه خلال فترة قصيرة سيبدأ صراخ اللبنانيين بالإرتفاع، من غير أن يجدوا من يستمع إلى صراخهم ويداوي أوجاعهم.

فقبل أن تنقضي فترة 10 أيّام على طيّ صفحة الإنتخابات بدأت ملامح الصعوبات المنتظرة تظهر تباعاً، وكان أبرزها في تجاوز سعر صرف الدولار الأميركي مقابل الليرة حاجز 34 ألف ليرة، واقتراب سعر صفيحة البنزين من 600 ألف ليرة، وارتفاع سعر السّلع الأساسية بشكل جنوني، من غير أنْ يلوح في الأفق القريب أيّ ملامح للحلّ.

هذا الإنحدار السّريع نحو المجهول دفع كثيرين من أهل السّياسة في لبنان إلى مصارحة المواطنين بلا لفّ ولا دوران، ودعوتهم الناس إلى تخبئة القرش الأبيض إلى أيّام سوداء، لأنّ ما يرونه هو أنّ “الأزمة طويلة جدّاً جدّاً، وأنّها لن تقتصر على سنتين”.

وفي الواقع، فإنّ تدهور الأوضاع المالية والإقتصادية والمعيشية ليست سوى إنعكاس لانقسام سياسي داخلي حاد، مرتبط بشكل وثيق بالتعقيدات الكثيرة في ملفات المنطقة، السياسية والمالية والإقتصادية والعسكرية، ما يعني أنّ لبنان سيبقى أسير هذه الأزمات زمناً ليس قصيراً.

هذا الإنقسام السّياسي الذي بدأ سريعاً بالظهور عبر السجال والمواقف من إنتخاب رئيس المجلس النيابي الذي يُرجّح أن يكون الرئيس نبيه برّي، مع إبداء كتل نيابية عديدة إعتراضه عليه، سيمتد بلا شكّ إلى المشاورات التي تسبق الإستشارات النيابية الملزمة لتأليف الحكومة المقبلة، التي بدأ أيضاً يظهر إنقسام سياسي واسع حول رئيسها المُكلّف وشكلها ومهماتها منذ الآن، إلى جانب تساؤلات حول كيفية معالجتها ملفات حيوية عالقة لا تحتمل مزيد من الإنتظار والتسويف، بسبب إتساع دائرة الإهتراء والتحلّل على كلّ المستويات.


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal