هل تقود الانقسامات النيابية لبنان الى الارتطام الكبير؟!… غسان ريفي

نشر أحد الناشطين على صفحته ضمن أحد مواقع التواصل الاجتماعي صورة لـ″نواب الثورة″ في أحد المطاعم في بيروت وهم يأكلون ويدخنون الأراكيل، وكتب ما يلي: ″كنت بدي خبر الثورة إنو في نواب بالمطعم عم ياكلوا ويشربوا أراكيل والناس جوعانة.. بس بعدين عرفت إنو هيدول هني نواب الثورة″..

الصورة والتعليق وجدا تفاعلا من قبل الناشطين بين مؤيد ومعارض لهما، وكان لافتا أن رأي ناشطين كثر كان بأن “ما حدا أحسن من حدا.. كلن يعني كلن”..

لا شك في أن الهجوم على نواب الثورة فيه الكثير من المغالاة والتسرع، وكذلك الظلم، خصوصا أنهم لم يدخلوا بعد الى مجلس النواب ولم يمارسوا أعمالهم، وبالتالي من المبكر إنتقادهم، أو منعهم من ممارسة حياتهم الطبيعية بحجة أن الناس يواجهون الجوع ولا يجدون الطعام بسبب الغلاء وجنون الدولار الى وصل الى عتبة الـ34 ألف ليرة، بينما هم يتنقلون من مطعم الى آخر.

لكن في الوقت نفسه، فإن الأكثرية الساحقة من النواب المنتخبين تحت شعارات: “السيادة والتغيير والثورة”، وبعد مرور عشرة أيام على إنتخابهم ما زالوا غارقين بالفولكلور والشعارات والبروباغندا وإحتساب الأكثرية والأقلية، وتقديم الطروحات الغريبة سياسيا ودينيا والتي كل منها كفيل بإشعال الفتن، في وقت تبدو فيه مقاربة أو دراسة الأزمات المعيشية والاجتماعية التي تفاقمت بعد الانتخابات وبدأت تهدد اللبنانيين بالمجاعة أهم بكثير من الاحتفال بإزالة العوائق الباطونية من محيط مجلس النواب، ومن الدخول في متاهات تبديل طائفية الرئاسات، ومن الزواج المدني وحقوق المثليين، ومن تصفية الحسابات بشكل سريع، وإستثمار الانتصار في الاستحقاقات المقبلة، فما يشهده لبنان من كوارث معيشية لا يحتمل الترف ولا الاحتفالات المتواصلة بل يحتاج الى مباشرة العمل سريعا والعمل على تدوير الزوايا والتعاون بين مكونات البلد لاستكمال مسيرة الانقاذ التي إهتزت بشكل كبير مع دخول حكومة “معا للانقاذ” مرحلة تصريف الأعمال.

ليس المطلوب من نواب التغيير أو حتى النواب التقليديين التفتيش عن الاشكالات والغرق فيها بما يؤدي الى تعطيل غير مبرر من شأنه أن يصل بلبنان الى الارتطام الكبير، بل المطلوب الاسراع في إنتخاب رئيس لمجلس النواب ونائب رئيس ومكتب المجلس للانطلاق بالعمل التشريعي الذي يؤسس لقيام رئيس الجمهورية بالدعوة الى إستشارات نيابية ملزمة لاختيار رئيس جديد للحكومة التي بات من الملح تشكيلها فورا لاستعادة المبادرة بوقف الانهيار وضبط التفلت المالي والاجتماعي الحاصل، وصولا الى التحضير لانتخاب رئيس جديد للجمهورية تمهيدا لانطلاق عهد جديد قد يحمل معه التغيير المنشود.

لم يفز نواب السيادة والتغيير والثورة بمفردهم في مجلس النواب حتى يخرجوا على اللبنانيين بنظريات ووعود قلب الطاولة السياسية رأسا على عقب، ولا هم يملكون الأكثرية التي تأكد للقاصي والداني بعد الحسابات الدقيقة بأنها ستكون متأرجحة بحسب الطروحات، خصوصا بعد إكتشاف بعض الودائع وظهور كثير من التباينات ضمن الفريق الواحد ولجوء بعض النواب الى منطقة الوسط، ما يعني أن على النواب الجدد أو النواب الذين جددوا أنفسهم بشعارات السيادة أن يتحلوا بمسؤولية التواضع بعض الشيء والتفاهم مع سائر مكونات مجلس النواب لتحقيق المصالح الوطنية العليا التي من شأنها أن تحدّ من معاناة اللبنانيين.

من الواضح أن اللبنانيين لم ينتخبوا نواب السيادة والثورة من أجل التعطيل وزيادة الاحتقان ورفع السقوف بمزيد من الشعبويات التي من المفترض أن تكون قد إنتهت مع صدور النتائج، بل هم أرادوا من التغيير إحداث شيء من التوازن والتنوع بادخال دم جديد من شأنه أن يساهم في تفعيل العمل السياسي والاقتصادي من أجل خدمة مصالحهم، لكن يبدو أن الأمور تتجه نحو مزيد من التوتر، في ظل إصرار أحزاب ونواب على إعتماد فكر إلغائي إنتقامي غير مبرر في بلد تؤكد كل المحطات التاريخية البعيد والقريبة أنه لا يمكن أن يُحكم إلا بالتوافق وبصيغة لا غالب ولا مغلوب، وما دون ذلك من شأنه أن يقود الى ما لا يحمد عقباه.


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal