هل تنسحب حماسة إقتراع المغتربين على الداخل؟… عبدالكافي الصمد

لافتة للغاية كانت نسبة الإقتراع المرتفعة التي سُجّلت في الخارج، يومي الجمعة والأحد الماضيين، حيث لامست عتبة 60 في المئة، ما أعطى إشارة واضحة إلى حجم الحماسة في صفوف النّاخبين والمقترعين في شتّى بلاد الإغتراب، وتمسّكهم بالمشاركة في صنع القرار السّياسي في بلدهم، وفي إمكانية أن تؤدّي هذه المشاركة الواسعة في قلب بعض الموازين في عدد من الدوائر، وتأثير الناخبين المغتربين في رسم المشهد النهائي لنتائج الإنتخابات النيابية المرتقبة في 15 أيّار المقبل.

لم تكن هذه المشاركة واسعة وفعّالة في الإنتخابات النيابية الماضية عام 2018، التي كانت الأولى في تاريخ لبنان التي فُتح فيها الباب أمام اقتراع المغتربين، إلا أنّ تسجيل أكثر من 220 ألف ناخب أسماءهم للتصويت هذه السنة، كان مؤشراً على أنّ صوت المغتربين سيكون مؤثراً للغاية في صناديق الإقتراع، وفي إمكانية تغيير صوتهم الدفّة من جانب إلى آخر.

هذه النسبة المرتفعة من المقترعين في بلاد الإغتراب طرحت تساؤلات حول إمكانية أن تنسحب على نسبة المقترعين في الداخل. ففي دورة إنتخابات عام 2018 لم تتجاوز النسبة عتبة 50 في المئة، وسط توقعات حالية ترجّح أن تتراجع النسبة إلى حدود 40 في المئة، في ضوء توجّه نسبة كبيرة من النّاخبين السنّة إلى مقاطعة الإنتخابات، تضامناً منهم مع الرئيس سعد الحريري الذي أعلن عزوفه وتيّار المستقبل عن خوض غمار الإنتخابات.

منذ أشهر واستطلاعات الرأي تتحدث عن أنّ نسبة الإقتراع سوف تنخفض مقارنة بدورة الإنتخابات السّابقة، وفي ضوء هذا الإنخفاض بدأت تُرسم النتائج المتوقعة لهذه الإنتخابات، واحتمالات الفوز والخسارة بين المرشّحين واللوائح، غير أن توقعات إرتفاع نسبة الإقتراع واحتمال أن تكون في الداخل بحجم مشاركة المغتربين في بلاد الإغتراب، يعني بكلّ بساطة نسف كلّ التوقعات السّابقة، وقلبها رأساً على عقب.

إرتفاع نسبة التصويت في الداخل، إذا حصلت، ستعني أنّ دعوات المقاطعة التي حثّ عليها الحريري جمهوره لم تلقَ آذاناً صاغية، ويعني أيضاً أنّ الأحزاب والتيارات السياسية الأخرى قد استنفرت قواعدها إلى أبعد الحدود، ما جعل نسبة الإقتراع ترتفع لتلامس النسبة التي سُجّلت في انتخابات عام 1972، التي كانت نسبة المشاركة فيها الأعلى في تاريخ الإنتخابات النيابية في لبنان، والتي تجاوزت فيها عامذاك حاجز الـ60 في المئة.

وفي حال إمتدت عدوى المشاركة في الخارج إلى الداخل، فإنّ ذلك من شأنه أن يُشكّل مفاجآت غير منتظرة، من حيث الشّكل ومن حيث المضمون معاً، وأن يخلط الأوراق، فيجعل من الفائز خاسراً، ومن الخاسر فائزاً، إضافة إلى فتح الباب على نحو واسع أمام دخول عناصر ووجوه جديدة إلى المجلس النيابي من خارج الطقم السّياسي الحالي والطبقة السّياسية المهيمنة، ويفتح الباب أمام تغيير لم تتضح ملامحه بعد، إلا إذا بقيت حسابات حقل الإغتراب لا تنطبق على حسابات بيدر الداخل.


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal