أصدر العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، يوم الخميس الواقع فيه 27 كانون الثاني من العام الجاري 2022 أمراً ملكياً قضى بتحديد يوم 22 شباط من كل عام يوماً لذكرى تأسيس الدولة السعودية، باسم ″يوم التأسيس″، ويصبح إجازة رسمية.
وأشار الأمر الملكي إلى “بداية تأسيس الإمام محمد بن سعود(1697-1765) قبل ثلاثة ( 3 ) قرون، في منتصف عام 1139هـ (1727م) للدولة السعودية الأولى التي إستمرت إلى عام 1233هـ (1818م)، وعاصمتها الدرعية ودستورها القرآن الكريم وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وأضاف الأمر الملكي أن الدولة السعودية الأولى “أرست الوحدة والأمن في الجزيرة العربية، بعد قرون من التشتت والفرقة وعدم الإستقرار، وصمدت أمام محاولات القضاء عليها، إذ لم يمضِ سوى سبع سنوات على إنتهائها حتى تمكن الإمام تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود عام 1240هـ (1824م) من إستعادتها وتأسيس الدولة السعودية الثانية التي إستمرت إلى عام 1309هـ (1891م)”. وتابع الأمر الملكي: “بعد إنتهائها بعشر سنوات، قيّض للملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود عام 1319هـ (1902م) ليؤسس الدولة السعودية الثالثة ويوحدها باسم المملكة العربية السعودية، وسار أبناؤه الملوك من بعده على نهجه في تعزيز بناء هذه الدولة ووحدتها”.
وعن إختيار تاريخ 22 شباط ، أوضح الأمر الملكي أنه يتزامن مع بدء عهد الإمام محمد بن سعود وتأسيسه للدولة السعودية الأولى في منتصف عام 1139هـ الموافق شهر شباط من عام 1727م.
وبات الفرق واضحاً ما بين يوم التأسيس واليوم الوطني السعودي من الزاوية الرسمية السعودية، اذ يبدو جلياً ان القيادة السياسية في السعودية تريد من خلال العودة الى بدايات تأسيس المملكة ترسيخ دعائم الكيان الذي ولد على أيدي محمد بن سعود وإقصاء الخطاب التقليدي المتوالد عبر الازمنة المتباعدة عن الرواية الدينية السياسية بأنه لم يكن لآل سعود شأن في الدور الأول ولم يبدأ ظهورهم على مسرح الحياة العامة في نجد والجزيرة العربية إلا منذ أن وفد الشيخ محمد بن عبد الوهاب(1703- 1792) على محمد بن سعود وتحالفا معا على نشر الحركة الإصلاحية في الجزيرة العربية تلك الحركة التي تهدف الى الرجوع الى جو الإسلام الصحيح ومحاربة البدع والشوائب الدخيلة عليه.
ويذهب بعض الباحثين والمتابعين للسياقات التاريخية للتحالف الديني السياسي بين الرجلين أن الدعوة الوهابية اتت لتكون من ضمن الدولة السعودية الأولى وأن الدور الذي أدته تلك الحركة كان نتاجاً لمرحلتها التاريخية والتي رافقتها التحولات الإجتماعية التي أنجبتها، وليس العكس، إذ امتد حكم الأمير محمد بن سعود 40 عاماً، من 1727 – 1765، وفي ذلك إعادة قراءة ليس للتاريخ السعودي وحسب، وإنما لمجمل مصادره وإيحاءاته وأحداثه ولطبيعة العلاقة التي ربطت بين الحركة الوهابية والدولة السعودية الأولى وهي إشكالية معقدة لأنها وليدة إختلاف بين روايتي إبن غنام (1811) وإبن بشر (1780) في كتابيهما “تاريخ نجد” و”عنوان المجد في تاريخ نجد” اللذين يمثلان معا المصادر الأولية والأكثر أهمية لتاريخ كل من الحركة الوهابية والدولة السعودية في مرحلتها الأولى، وما يختلفان حوله من تاريخ الحركة والدولة هو ما حصل في اللقاء الأول بين الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأمير “الدرعية” والذي على أساسه إنطلقت عملية “التوحيد” حيث تتحدث عما نشره من تفاصيل أحد أبرز المراجع في التاريخ السعودي عثمان بن بشر، إذ نجد إشارة الى أن الشيخ الذي كان يقيم في “حُريملاء”، ثم انتقل إلى “العيينة” وعرض دعوته على أميرها عثمان بن معمر، والذي قبلها وتعهد بمناصرتها قبل أن يعود عن رأيه تحت وطأة الضغوطات السياسية الكبيرة لحاكم في “الأحساء”، كان يمارس نفوذاً على سلطة ابن معمر في نجد، فهالهم أمر الدعوة وهي في المهد فطلب منه المغادرة إلى حيث يشاء فاختار الشيخ الذهاب الى “الدرعية”.
أما ما يتناوله مصدر تاريخي آخر فهو لقاء محمد بن سعود بمحمد بن عبدالوهاب، لبدء ما اصطلح على تسميته بعدها “حروب التوحيد” وامتدادها إلى عُمان واليمن جنوباً وحتى العراق شمالاً، حيث تعتبره القراءة الكلاسيكية لتاريخ اللقاء تأسيساً للدولة.
ويذهب آخرون من المؤرخين ليلفتوا الى أنه من الواجب الا يغيب عن هذه القراءة العوامل التي جعلت نجاح الدعوة الدينية عن طريق محمد بن سعود ممكناً، في حين فشلت تجربته الأولى مع عثمان بن معمر في “العيينة”. ومن ثم إنتهت بقيام الدولة التي من الإدراك الشديد الملح أن لها تاريخا إجتماعيا وسياسيا حان الوقت للإعتراف به وإعادته الى منزلة الصدارة التي أزيح عنها من دون مبرر، ويذهب شديدو الإعتزاز بالهوية السعودية الوطنية الى أقاصي الفصل بين ثنائية العلاقة الجدلية بين الدولة والدعوة وإستعادة تقدم سردية الدولة على تلك الأخيرة، لا سيما أن هناك “تاريخ سياسي عظيم من المهم أن يعاد قراءته وتدوينه لمعرفة فرادة التجربة وصيرورتها التاريخية وامتدادها وفهم أولويات البقاء والحفاظ على «فضيلة الإستقرار»، وهناك الكثير مما كتب عن تاريخ الدعوة والأفكار بطرق لا تاريخية، وما علينا إلا فهم تجربة الإستقرار النموذجي في سياقها الواقعي بحيث نستطيع الإمتنان لتجربة وطن تشّكل بتضحيات كبرى، وهو اليوم يسعى إلى طموحات عنانها السماء وهو بالتالي ودون منازع خيار ملزم ودون أدنى شك يقتضي العمل على إيجاد المرتكزات الكافية لضرورات منهجية تتبلور من خلالها صيغة واقعية تفصل بالفعل بين الدعوة والملك بالرغم من أن دعوة محمد بن عبد الوهاب كانت مع نشأة الملك ولم تنفصل عنه، وقد إتخذ التلازم هذا شكل تعاهد متبادل بين الشيخ وأمير “الدرعية” حيث كانت الظروف مناسبة لإستقباله. فابن سعود ووراءه شعب صهرته المعارك كان يرغب وصل إنتصاراته باخرى جديدة. فوجد في مبادىء المعلم حجة لغزو القبائل العربية، وكانت بيده القوة اللازمة لإخضاعها ، لذلك تبنى الدعوة الجديدة، وكان تعلقه بها سبباً في غبطة الكثير من أتباعه ممن ينتمون لقبيلة الشيخ محمد، وكان يؤيد هذا الأخير منذ زمن طويل. وإقتدى بهم وبأميرهم بقية القوم بحيث وصل المصلح نفسه على رأس شعب كامل يتبع تعاليمه. في تلك الحقبة من الزمن تم تنظيم جماعة الدعوة الجديدة واتخذت شكلاً طبيعياً. وإتخذ المصلحون لأنفسهم اسم الوهابيين، نسبة لعبد الوهاب والد الشيخ. وإحتفظ هذا بلقب الشيخ. كما إتخذ إبن سعود لقب إمام الوهابيين، وهكذا إقتسما السلطة الدينية والدنيوية، وظل هذا التمييز سارياً منذ ذلك الحين لدى سلالة إبن سعود والشيخ محمد حتى الوقت الذي بدأت فيه القيادة السعودية الحالية تستعيد 17 عاماً من عمرها الأولي التي أخفتها الرواية الدينية وهو التاريخ الذي يسبق لقاء المؤسس بمحمد بن عبد الوهاب بقرابة العقدين.
Related Posts