تفاؤل جدي ينتظر الترجمة!… غسان ريفي

يخشى كثير من اللبنانيين الافراط بالتفاؤل بما يخص الملف الحكومي، خصوصا بعدما خاب ظنهم بولادة الحكومة أكثر من مرة على مدار شهر ونيّف، وذلك بفعل المطالب والشروط المتلاحقة التي كانت في كل مرة تقلب طاولة التأليف، فتبدد الآمال المعلقة على وقف الانهيار، وتُذهب الجهود المبذولة على مدار الساعة أدراج الرياح.

يبدو أن سلسلة عوامل إجتمعت خلال الساعات الـ 24 الماضية ذللت الكثير من العقبات التي كانت تحول دون ولادة الحكومة، بدءا من الضغوط الخارجية التي تمثلت بسؤال أميركي جدي بواسطة مساعدة وزير الخارجية فيكتوريا نولاند الى الرئيس ميشال عون خلال إتصال معه عن “الوعد الذي قطعه لوفد الكونغرس الأميركي بأن تبصر الحكومة النور نهاية الاسبوع الفائت، وعن أسباب عدم الالتزام به، خصوصا أن لا حدث قاهرا من شأنه أن يحول دون إتمام عملية التأليف”، إضافة الى الضغط الفرنسي المتعدد الأطراف والذي نتج عنه وعد إيراني بلسان الرئيس إبراهيم رئيسي بالمساعدة على الاسراع في تشكيل الحكومة، فضلا عن المبادرة الأميركية لمساعدة لبنان بالغاز المصري والكهرباء الاردنية، وما رافقه من تخفيف حدة المقاطعة لسوريا، إلا أن هذا الملف الذي يديره البنك الدولي بالكامل يحتاج الى حكومة فاعلة للبدء بترجمته على أرض الواقع.

وفي هذا الاطار يمكن القول، إن ساعة الحكومة قد دقت على توقيت الرئيس المكلف نجيب ميقاتي، خصوصا أن فريق العهد الذي كان يسعى الى تحصيل ما أمكن من مكاسب، أدرك ولو متأخرا خطورة الاستمرار في هذا الفراغ القاتل، كما خشي إعتذارا مباغتا للرئيس نجيب ميقاتي الذي عبر أكثر من مرة عن إستيائه من التعاطي السلبي مع آليات التأليف، خصوصا أن فريق العهد يعلم أن إعتذار ميقاتي سيدخل البلاد في مرحلة الارتطام الكبير وسيُفقد رئيس الجمهورية ميشال عون الفرصة الأخيرة لتشكيل حكومة فاعلة، وبالتالي فإن عهده سيستمر مع حكومة تعاني من موت سريري ترفع من منسوب الفشل يوما بعد يوم.

الى ذلك، تبدو الاستحقاقات الداهمة خطيرة جدا، حيث من المفترض أن يصار الى رفع الدعم عن المحروقات في مهلة أقصاها منتصف أيلول الجاري ما يعني مزيدا من الأزمات المعيشية بفعل إرتفاع الأسعار، في حين أن البطاقة التمويلية التي أعلن الوزيران رمزي مشرفية وراؤول نعمة إطلاقها ما تزال غير جدية، وهي متروكة لعلم الغيب نظرا لاجراءاتها المعقدة وغياب التمويل علما أنه في حال سارت الأمور على أفضل ما يرام فيها فإنها لن توزع قبل نهاية العام ما سيرفع من منسوب المعاناة، وكل ذلك يحتاج الى حكومة فاعلة قادرة على التعاطي مع المجتمع الدولي لاستدراج المساعدات السريعة التي من شأنها أن تستخدم في تخفيف المعاناة ومعالجة الأزمات القائمة.

هذا الواقع المؤلم، دفع بالمفاوضات التي كانت تسير على قدم وساق بين الرئيسين ميشال عون ونجيب ميقاتي عبر وسطاء الى التقدم الفعلي، لجهة حل عقدة وزارة الاقتصاد التي ستؤول الى وزير سني قد يكون جمال كبي أو أمين سلام، إضافة الى تبديل في بعض الحقائب من دون أن يؤدي ذلك الى إستفزاز أي طرف، ومن دون أن يكون الثلث المعطل مع أي فريق سياسي، ومن دون أن يكون هناك وزيرا ملكا.

كل المعطيات تؤكد أن التفاؤل هذه المرة جدي جدا، وأن الحكومة تسير نحو الولادة الطبيعية، إلا أن التجارب السابقة غير المشجعة، تدفع الى الانتظار حتى يترجم هذا التفاؤل بتصاعد الدخان الأبيض من قصر بعبدا الذي لن يزوره الرئيس ميقاتي إلا لتوقيع المراسيم..


مواضيع ذات صلة:


 

Post Author: SafirAlChamal