من تابع بتمعّن مواقف كلّ من رئيس تيّار المستقبل الرئيس سعد الحريري ورئيس التيّار الوطني الحرّ النائب جبران باسيل ورئيس القوّات اللبنانية سمير جعجع خلال الأيّام الماضية، التي تلت إعتذار الحريري عن تكليفه تأليف الحكومة في 15 تموز الجاري، يخرج بانطباع واحد هو أنّ الثلاثة، وسواهم أيضاً، بدأوا يعدّون العدّة للإنتخابات النّيابية المقبلة.
ومع أنّ الحريري وباسيل وجعجع لم يتحدثوا صراحة عن موضوع الإنتخابات بشكل مباشر، إلا أنّ كلّ تلميحاتهم وكلامهم المبطّن والشعبوي كان يشير إلى حقيقة واحدة هي سعيهم الحثيث إلى شدّ عصب قواعدهم الإنتخابية منذ الآن، وتحضير الأرضية اللازمة لانتخابات يرونها، من وجهة نظرهم، مصيرية لكلّ منهم، وأيضاً لكلّ القوى والتيّارات والأحزاب والشّخصيات السّياسية.
فالحريري يراها إستحقاقاً يريد من خلاله ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، أولاً لتثبيت زعامته السنّية من خلال تجديد الفوز بأكبر عدد ممكن من النّواب السنّة؛ وثانياً للفوز بكتلة نيابية كبيرة ووازنة تبقيه رقماً صعباً في المعادلة الداخلية سواء في تشكيل الحكومة أو في الإنتخابات الرئاسية المقبلة؛ وثالثاً توجيه رسالة لمن يعنيهم الأمر في الدّاخل والخارج أنّ أحداً لا يستطيع إلغاء دوره وتأثيره في السّاحة اللبنانية.
في المقابل، يتعامل باسيل مع الإنتخابات النّيابية المقبلة على أنّها فرصته المناسبة لإبقاء تياره البرتقالي صاحب التمثيل النيابي الأوّل على السّاحة المسيحية، وهي مرتبة لا يسعى باسيل للحفاظ عليها فقط، إنّما أيضاً لزيادة عدد نواب كتلته النيابية بما يحوّله رقماً صعباً، يُعبّد أمامه الطريق للوصول إلى قصر بعبدا في الإنتخابات الرئاسية خريف العام المقبل.
بدوره، لا يختلف هدف جعجع عن هدف باسيل، وهو من أجل تحقيق مبتغاه يسعى جاهداً إلى الفوز بعدد نواب يفوق عدد النواب الذين سيفوز بهم التيّار الوطني الحرّ، لأنّه من دون ذلك يدرك جعجع أن تحقيق هدفه سيكون مستحيلاً، علماً أنّه يعرف جيداً أنّه ليس بكثرة عدد نوّابه أو قلتهم يعزز فرصه بالفوز في الإنتخابات الرئاسية المقبلة، كما أنّه يواجه مشكلة سجله إبّان الحرب الأهلية الذي يشكل عائقاً إضافياً ورئيسياً يحول دون تحقيق مبتغاه.
غير أنّ الثلاثة، الحريري وباسيل وجعجع، يدركون حقيقة ثابتة وواضحة فضّلوا عدم الإشارة إليها، وهي أنّ أغلب إستطلاعات الرأي تشير إلى أنّهم سيخسرون مقاعد نيابية في الإنتخابات النيابية المقبلة، وأنّ عدد أعضاء كتلهم سينقص ولن يزيد، وهم لهذا بدأوا باكراً تحضير أنفسهم وقواعدهم لمسلسل طويل من الخطابات الشعبوية، ستمتد حلقاته بشكل متصاعد إلى موعد الإستحقاق الإنتخابي في ربيع العام المقبل.
لكنّ الخطابات الشّعبوية لن تنقذهم من خسائر تنتظرهم، ولو بشكل متفاوت، فالحريري وإن كان سيخوض الإنتخابات المقبلة بشكل أقلّ حدّة مع منافسيه الرئيسيين في الطائفة السنّية، مثلما كان يحصل في السابق، إلا أنّه يواجه أزمة حقيقية مع قواعد شعبية كبيرة بسبب خيبات أمل عديدة تلقتها منه في محطات كثيرة ماضية.
أمّا باسيل وجعجع فإنّهما سيخوضان الإستحقاق الإنتخابي المقبل بلا حليف سنّي لهما، كان تيّار المستقبل بالنسبة لهما هو الحليف الأبرز وقطفا بتحالفهما معه مقاعد نيابية في دوائر إنتخابية عديدة رجّحت أصوات الكتلة السنّية التي يمون التيّار الأزرق عليها فوز الطرفين بمقاعد فيها، مثل عكّار والكورة والبترون وبيروت وبعلبك ـ الهرمل وزحلة والبقاع الغربي وسواها، وهي مقاعد يدركان جيداً أن خسارتهم فيها هي النتيجة الوحيدة المؤكّدة حتى الآن.
مواضيع ذات صلة: