مقتل أسرى إسرائيليين جريمة لا تُغتفر وإبادة شعب غزة مسألة فيها نظر؟!!.. غسان ريفي

من دون أدنى خجل، يصف الناطق بإسم الجيش الاسرائيلي مقتل ثلاثة أسرى إسرائيليين خلال الهجوم على حي الشجاعية بأنه أمر مأساوي، في وقت بلغت فيه حصيلة وحشية وإجرام جيش الاحتلال في غزة أكثر من عشرين ألف شهيد، وأكثر من خمسين ألف جريح كلهم من المدنيين الأبرياء، وأكثرهم من الأطفال والنساء والشيوخ.

حتى الآن يمكن القول، إن إسرائيل التي تعرضت لهزيمة نكراء في السابع من أكتوبر على يد كتائب القسام التي إجتاحت غلاف غزة لأكثر من 12 ساعة، فشلت في القيام بأي رد فعل عسكري حقيقي على المقاومة الفلسطينية، بل عملت خلال 74 يوما من العدوان على الإنتقام الوحشي والبربري من أهالي قطاع غزة المدنيين الأبرياء وعلى التنكيل بهم قتلا وتدميرا وتشريدا وتهجيرا في ظل صمت رسمي عربي ودولي مخزٍ ومتخاذل ومقيت.

أمام العالم أجمع، تُدمر إسرائيل المباني والمنازل والمساجد والكنائس والمستشفيات والمراكز والأبراج على رؤوس الناس، وترتكب جريمة إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في غزة من دون وزاع من أخلاق أو من ضمير، وتعتبر في الوقت نفسه أن مقتل ثلاثة أسرى من مواطنيها هو حدث مأساوي، بينما تقوم على مدار الساعة بمجزرة تلو أخرى على مرأى الرأي العام العالمي الذي بالرغم من كل التحركات التي يقوم بها في الشوارع والساحات لا سيما في دول الغرب، ما يزال قاصرا عن التأثير في إجبار الكيان الغاصب على الحد من الوحشية الاسرائيلية.

يتزايد عدّاد الشهداء والجرحى في غزة على مدار الساعة، وتنقل وسائل الإعلام المحلية والعالمية بالتفصيل نتائج القصف المركّز على المدنيين الذين تحوّلهم الأسلحة المحرمة الى أشلاء أو الى أجساد متفحمة أو مقطّعة أو مشوّهة تحت ركام منازلهم، على مرأى ومسمع العالم الذي يرى ويتابع من دون تفاعل، وكأنه تحول الى آلة من دون شعور أو أحاسيس أو قلب، أو كأنه إعتاد مشاهد القتل، وهذا أخطر ما يمكن أن تقوم به إسرائيل في أن تجعل قتل أسير لديها جريمة لا تُغتفر وإبادة شعب غزة بأكمله مسألة فيها نظر، وهذه المسألة يُسأل عنها حكام العرب والمسلمين والشعوب التي تتسمّر أمام شاشات التلفزة من دون أن تحرّك ساكنا أو أن تعبر عن غضب حقيقي، والاكتفاء بشيء من التنظير وبكثير من البروباغندا والتحركات الفارغة والشعارات التي لا تسمن ولاتغني من مقاومة أو ضغط لإيقاف هذا العدوان.

لا شك في أن عملية طوفان الأقصى قد أعادت إحياء القضية الفلسطينية في نفوس البشرية جمعاء، وأظهرت بما لا يقبل الشك لدى القاصي والداني إجرام دولة العدو التي لا تعيش إلا على الدم والقتل، لكنها أيضا أزالت الأقنعة عن العديد من الدول والمنظمات التي لا تملك سوى بيانات الشجب والادانة التي لا توقف عدوانا ولا تنقذ طفلا ولا تحمي شيخا أو إمرأة من الصواريخ الصهيونية التي تتساقط على غزة.

في السياسة، 57 دولة عربية وإسلامية في قمة مشتركة أدت قسطها للعلى ببيان إدانة طالب بوقف إطلاق النار وضربت فيه إسرائيل عرض الحائط، خصوصا أنه لم يتضمن أي إجراء أو تهديد أو إستخدام عنصر من عناصر القوة أو على الأقل طرد سفير إسرائيلي من قبل الدول المطبعة مع الاحتلال، ولم تعد تلك الدول الى الاجتماع ولم يصدر عنها على الصعيدين الفردي أو الجماعي أي موقف من شأنه أن يضغط فعليا لوقف العدوان.

وبالتزامن، تبدو الأمم المتحدة التي على عاتقها يقع حماية الدول والتصدي للجرائم ضد الانسانية أسيرة مراكز قوى تنتمي الى الحكومة العميقة في هذا العالم والتي تفرض تفوذها الصهيوني على سائر الدول، فتخلت عن الدور المنوط بها وعن كل الشعارات التي عاشت عليها منذ تأسيسها، وسقط أعضاؤها من الدول التي لم تجرؤ أي منها على تعليق عضويتها إحتجاجا على الوحشية الصهيونية.

على الصعيد الانساني، غابت أصوات كل منظمات حقوق الانسان وحقوق الطفل واليونيسف والاتحادات الدولية والهيئات الانسانية وبلعت ألسنتها أمام قوافل الأطفال الشهداء الذي لم تسأل أي منها بأي ذنب قتلوا، ولم تدعو الى محاسبة أو تدفع نحو وقف هذا العدوان البربري.

أمام هذا الصمت العالمي، وصمود المقاومة التي تسطر أروع ملاحم البطولة وتنجز بإمكاناتها الضعيفة ما عجزت عنه دول العالم من أقصى الأرض الى أقصاها، فإن على كل من شاهد المجازر الاسرائيلية بحق أبناء غزة ولم يقيم الأرض ويقعدها من أجل حماية ما تبقى منهم، أن يعيد النظر في إنسانيته وآدميته!..


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal