المأزق القضائي يهدد الاستقرار ويُغري دعاة الأمن الذاتي!… غسان ريفي

لم يكن ينقص لبنان سوى أزمة قضائية حادة حتى تكتمل دائرة الأزمات المتشعبة التي تتوالد يوميا وتضعه على فوهة بركان قد ينفجر في أي لحظة.

الصراع القضائي وما رافقه من إدعاءات وقرارات كان بمثابة إعادة خلط أوراق، لن تكون البلاد بعده كما كانت قبله، في ظل تسريبات عن ضغط أميركي لاتخاذ إجراءات سريعة بإطلاق سراح أحد الموقوفين، فتم إطلاق الجميع لحفظ ماء الوجه وتحت مظلة الخلافات التي طفت فجأة على سطح ميزان العدالة.

إن صحّت هذه التسريبات، فإنها تضع البلاد أمام مأزق كبير يساوي المأزق الاقتصادي، في فقدان القضاء أدنى مقومات إستقلاليته، ما يفتح الباب على مصراعيه أمام أزمات كثيرة لا سيما الأمنية منها، خصوصا أن سقوط هيبة القضاء يفقد أي بلد أحد أبرز الأعمدة التي يقوم عليها الاستقرار والانتظام العام والسيادة، فهل تنزلق الأمور أكثر الى حدود إعتبار لبنان دولة فاشلة على كل الصعد، وهل تتحقق النبوءات بأن لبنان مقبل على فوضى عارمة.

أمام مشهد الانهيار القضائي وقفت التيارات السياسية عاجزة، باستثناء بعض “المستثمرين” من النواب الذين يبدو أنهم يريدون قضاءً على قياسهم، فهم أنفسهم الذين شنوا هجوما عنيفا على القضاء وطالبوا بإقالة قضاة عند توقيف وليام نون، يتصدرون المشهد اليوم في بروباغندا شعبوية تهدف الى دعم القضاء وإستكمال التحقيقات، في إستنسابية وتناقض واضحين، علما أن القضاء لم يتأثر بهجومهم ولن يكون أقوى بدعمهم، بل المطلوب اليوم إقفال الباب على مكونات العدالة لانقاذ ما يمكن إنقاذه وقبل فوات الأوان.

في غضون ذلك، يسعى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الى التأكيد أن هناك حدا أدنى من حضور الدولة من خلال تفعيل حكومة تصريف الأعمال وفقا لأحكام الدستور وضمن حدود الضرورة، في ظل هجمة يقودها التيار الوطني الحر برئاسة جبران باسيل ظاهرها حكومي، وباطنها إستهداف لموقع الرئاسة الثالثة من خلال الرئيس ميقاتي الذي دعا بدوره وزير العدل هنري خوري ورئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود الى معالجة تداعيات الأزمة ضمن الجسم القضائي.

وفي الوقت الذي يترقب فيه حزب الله مآل الأمور، كان يستعد لرد الهجوم الذي قاده المحقق العدلي القاضي طارق البيطار بعد أن شرب حليب سباع فرنسي إثر لقاء الأربع ساعات القضائي، في ظل معلومات تشير الى محاولات للربط بين تحقيقات المرفأ وتحقيقات قضائية أخرى، ما يؤدي الى ضرب المسمار الأخير في نعش القضاء اللبناني.

من جهته، بدا التيار الوطني الحر مربكا بشكل كبير، فهو مع إطلاق الموقوفين الذين له بينهم أعزاء ومناصرين خاض معارك من أجل إطلاقهم، وفي الوقت نفسه هو مع إستكمال التحقيقات وتحقيق العدالة من أجل الشهداء وعوائلهم، فماذا بقي من قضية إنفجار مرفأ بيروت بعد إطلاق سراح الموقوفين وعن أي تحقيقات وعدالة يتحدث؟.

تدعم القوات اللبنانية تحركات نواب التغيير، في محاولة منها لركوب موجة دعم إستمرار التحقيقات من قبل القاضي بيطار، تماما كما ركبت موجة ثورة 17 تشرين عام 2019.

في حين يدعو رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الى أن يُترك القضاء ليقوم بمهمّته، مستغربا تدخل المحققين الأوروبيين والسفارة الأميركيّة في عمل القضاء، ما يشير الى إتهامات جنبلاطية بأن كل ما حصل كان بتوجيه وضغط خارجي.

وحده الرئيس نبيه بري إلتقطت راداراته المخاطر، فحذر من إنفلات الأمور من عقالها، عندما أكد أن لبنان لا يستطيع تحمل الوضع الراهن أكثر من أسابيع، داعيا إلى التوافق للإسراع بانتخاب رئيس جديد للجمهورية.

يمكن القول، إنه لا يوجد تيار أو حزب أو جهة أو شخصية سياسية إلا وتحدث عن المشهد القضائي سواء داعما أو منتقدا أو متباكيا، لكن أحدا لم يقدم أي موقف فعلي يخرج البلاد من المأزق القضائي، في وقت يفترض فيه أن تتضافر الجهود باتجاه معالجات سريعة لأن إستمرار التشظي في الجسم القضائي يزيد الطين بلة، خصوصا أن القضاء بالرغم من كل الشوائب كان ولا يزال الملجأ الوحيد لأكثرية اللبنانيين، فأين يذهب هؤلاء في حال إستمر الوضع على ما هو عليه، في ظل مغريات شعار الأمن الذاتي الذي يتحين البعض الفرص لاعتماده، تمهيدا لطروحات تقسيمية أكبر، بحجة التفلت الأمني الذي ما يزال مستبعدا بفعل موقف الجيش الواضح، وتأكيد قائده العماد جوزاف عون بأنه لن يسمح بأي إنفلات مهما كبرت التضحيات، الأمر الذي يشكل ضمانة للبنانيين وعامل إطمئنان لهم.


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal