زلزال مدمّر يضرب القضاء!… غسان ريفي

بغض النظر عن كل التحليلات والتأويلات وعمن يمتلك الحق والقانون، فإن ما شهده القضاء اللبناني أمس، انتهى الى أمرين إثنين، الاول إعادة ملف انفجار مرفأ بيروت الى نقطة الصفر، والثاني أن زلزالا ضرب ميزان العدالة الذي انهار وبات يحتاج الى إعادة بناء من جديد. 

ضرب اللبنانيون أمس كفا بكف وهم يرون انفسهم يخسرون صمام امان الوطن، ما ينذر بالوصول الى نقطة الارتطام الكبير، خصوصا أن ما حصل بين القضاة لم يسبق له مثيل لا في لبنان ولا في أي بلد في العالم، الامر الذي يضعه في مهب الريح ويطلق شريعة الغاب ليأكل فيها القوي الضعيف.

اللافت، أن القرارات القضائية التي اتخذت لم يعد من الممكن التراجع عنها، فالموقوفون في ملف المرفأ اصبحوا طلقاء خارج السجن بقرار من المدعي العام التمييزي غسان عويدات، والادعاء على المحقق العدلي طارق البيطار اصبح نافذا بعد الطلب من الامن العام منعه من السفر، في وقت يتحصن فيه البيطار بمنصبه ويتمسك بمهامه التي لا تستطيع اية جهة قضائية عزله عنها، الامر الذي دفعه الى التأكيد بأن من تم اطلاق سراحهم هم في عداد الفارين، وانه سيستكمل ملفه سواء من مكتبه او من منزله او من السجن.

امتدت الاخطاء بشكل أفقي في ملف مرفأ بيروت خلال اليومين الماضيين، فالقاضي بيطار كسر بميزاجيته جمودا استمر 13 شهرا بسبب قرار كف يده عن القضية، وعاد من دون ابلاغ المراجع المختصة التي علمت برجوعه من الاعلام، وهو سارع الى تسطير ادعاءات بحق عدد من النافذين، لكن مقتله كان في الادعاء على مدعي عام التمييز غسان عويدات الذي هو من يعطي الاذن لملاحقة القضاة ولا يستطيع اي قاض الادعاء عليه.

ومن جانب القاضي عويدات فقد تعاطى مع البيطار بردات فعل أظهرت حجم الخلاف القائم في جسم القضاء. 

وبغض النظر عن السبب الحقيقي لاطلاق الموقوفين سواء كان بطلب أميركي بحسب ما يتم تداوله من معلومات بعد تهديد السفيرة دوروثي شيا المعنيين باحالة ملف الموقوفين الى لجنة الحريات في الكونغرس الاميركي خصوصا أن توقيفهم لسنتين وخمسة أشهر بات يرقى الى اساليب التعذيب ، أم لأسباب سياسية داخلية، أم للرد بشكل مباشر على اجراءات القاضي بيطار، فإن قرارات إخلاء السبيل بحسب الخبراء غير قانونية، خصوصا انه لا يحق لأي جهة قضائية الافراج عن اي موقوف في ملف المرفأ سوى المحقق العدلي الذي امر بالتوقيف.

لا شك في أن تداعيات الزلزال القضائي ضربت البنية اللبنانية برمتها، فبدت البلاد من دون قانون بعدما تحول لدى القضاة أنفسهم الى وجهة نظر، الامر الذي يضع وزير العدل ومجلس القضاء الاعلى أمام مسؤولية وطنية لاعادة بناء ما يمكن بناءه، علما ان المجلس سيكون في وضع لا يحسد عليه في اجتماعه اليوم كونه لا يملك سوى احالة القاضيين عويدات والبيطار الى التفتيش القضائي وهو أمر لا يمكن لعويدات الذي يعتبر عضوا في المجلس أن يقبل فيه وقد يلجأ الى تعطيل نصاب الجلسة، ما يتطلب توافقا بين وزير العدل ومجلس القضاء الاعلى على ايجاد مخارج منطقية تحمي ما تبقى من هيكل القضاء بالدرجة الاولى، وتنصف ذوي شهداء المرفأ الذين سيطر عليهم الذهول وهم يرون قضيتهم تتلاشى باطلاق الموقوفين، وتعيد بعضا من الامل للمواطنين بالمؤسسة القضائية.

اكتملت اللوحة السوريالية في لبنان أمس، ازمات من كل فج عميق، دولار لامس الستين الفا، عجز سياسي عن انتخاب رئيس للجمهورية، تعطيل مستمر لاعمال الحكومة. وزلزال قضائي وتحركات شعبية وقطع طرقات وشلل لكل مؤسسات الدولة، في حين ترى مصادر سياسية مواكبة أن ما يحصل اليوم هو نتيجة طبيعية للكيد السياسي الذي مورس على مدار ست سنوات من العهد في القضاء وفي السياسة وفي الامن وضمن المؤسسات وصولا الى جهنم التي يكتوي اللبنانيون بنارها وهي تستعر وتتمدد يوما بعد يوم.


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal