خمسة أيّام مرّت على غرق قارب الموت يوم الأربعاء الماضي في 21 أيلول الجاري أمام شاطىء مدينة طرطوس السّورية، والذي كانت نتيجته المأساوية والمفجعة حتى السّاعة أكثر من 100 ضحية قضوا غرقاً، ونحو 21 ناجٍ، فضلاً عن مفقودين ليس معروفاً عددهم بعد، لأنّ عدد من كانوا على متن القارب لم يكن معلوماً.
خلال هذه الأيّام الخمسة على مرور الكارثة تكشفت أمور كثيرة تستدعي التوقف عندها، من أبرزها ما يلي:
أولاً: تحوّل الشّاطىء الشّمالي الممتد من طرابلس حتى عكّار مروراً بالمنية إلى نقطة إنطلاق رئيسية للهجرة غير الشرعية بحراً، وإذا كان أغلب المهاجرين في قوارب الموت هذه هم من فئة محدّدة مناطقياً وطائفياً ومذهبياً، وإنْ كانوا من جنسيات لبنانية وسورية وفلسطينية، فإنّ أغلبهم من الفقراء والبسطاء الذين دفعوا كلّ ما يملكون مقابل خروجهم من هذا البلد نحو بلاد أفضل لهم ولعائلاتهم. أمّا الذين يملكون المال الكافي لهجرتهم من لبنان، وهم من كلّ الطوائف والمذاهب فقد فعلوا، وأرقام المغادرين في مطار بيروت تثبت ذلك، ما يعني بأنّ الهجرة هي حلم ومسعى الغالبية، لكن كلّ طرف يسلك الطريق الانسب له، برغم مخاطره.
ثانياً: في السّنوات الأربع الأخيرة، أيّ منذ بداية الأزمة الإقتصادية والإنهيار المالي والأزمة المعيشية والإجتماعية، تزايد عدد المهاجرين بحراً على متن قوارب غير شرعية، مخاطرين بحياتهم، وهذه الهجرة تكاد تحصل يومياً، وهي في ارتفاع مستمر، وسط عجز فاضح في اتخاذ السّلطات إجراءات أمنية مشدّدة تمنع المغادرة بهذا الشكل، أو تضع حدّاً لمافيا المتاجرة بالبشر، الذين تتحدث معلومات عن أرباح مالية طائلة يحققونها، وبأنّهم يبتزّون الراغبين بالمغادرة بمختلف السبل.
ثالثاً: التقصير أو العجز في وضع حدّ لقوارب الموت التي جعلت طرابلس وجوارها في المنية والضنّية وعكّار تنام على كارثة لتصحو على فاجعة، بات سمة دائمة للدولة اللبنانية التي بدت عاجزة، وتكتفي بالوقوف موقف المتفرج على غرق قارب تلو آخر، من غير أن تُكلّف نفسها عناء البحث عن أسباب هذا الإنتحار والهروب الجماعي الذي يقوم به البعض ومعالجة دواعيه على اختلافها، ووضع حدّ لمآسي وكوارث تحوّلت إلى مسلسلٍ يومي في حياة أغلب القاطنين في هذه المناطق المنسية والمحرومة.
رابعاً: برغم مرور 5 أيّام على الفاجعة، فإنّ الدولة اللبنانية لم تُكلّف نفسها إرسال موفد خاص إلى طرطوس (وزير أو مدير عام أو موظف عادي) لمتابعة أحوال اللبنانيين الذين كانوا على متن القارب، سواء الذين غرقوا لاستعادة جثامينهم، أو الجرحى لإعادتهم إلى بلدهم، بإستثناء وزير الأشغال والنقل علي حمية الذي تواصل مع نظيره السوري منذ اليوم الأول، وكأنّ من غرقوا هم من بلد آخر ففضّلت بعض الدولة الإستقالة من مسؤوليتها. بينما كان المسؤولون السّوريون على كلّ المستويات يتابعون القضية باهتمام، وقدّموا كلّ المساعدة اللازمة، هذا من غير نسيان الإندفاعة الإنسانية لأهالي جزيرة أرواد ومدينة طرطوس في مدّ يد العون، برغم الصعوبات الإقتصادية والمعيشية التي يعانونها، وأثبتوا رسوخ روابط بين لبنان وسوريا باقية فوق كلّ الإعتبارات، وبرغم كلّ الظروف.
Related Posts